الشخصية المصرية الذي عُرِفَت به بين جيرانها1، كما عُرِفَت "بالتنكيت" في الزمن القديم والحديث2.
وحين نتفق على ارتباط الشخصية الفردية بالشخصية العامة، فإن القول بأن البيئة المصرية من أصلح البيئات لفن المقال الصحفي قول صحيح، يرتبط باكتشاف الكُتَّاب المصريين وطنهم، تأسيسًا على أن الاتصال النفسي بين الشخصيتين هو أساس الإبداع الحضاري، الذي يمثِّل المقال الصحفي مظهرًا من مظاهره، ولذلك يذهب طه حسين إلى أن "الشعب المصري أول من كتب بالقلم" واتخذ الحروف رمزًا للكلام الذي يؤدي عن القلوب والنفوس والعقول وما يثور فيها من العواطف وما يضطرب بها من الأهواء وما يخطر لها من الآراء3", ويتمثَّل طه حسين بيئته المصرية التي تضم "وطنًا خالدًا ثابتًا سعيدًا تختلف عليه الأزمنة وما تحمل من الخطوب والصروف، فلا يتغير ولا يمضي مع الزمن، ولكنه ثابت مقيم، مبتسم دائمًا، تشرق شمسه الحلوة الهادئة كل يوم فتعبث الحركة والحياة في كل شيء وفي كل إنسان4" ويتمثل ذلك جميعًا في مقاله الصحفي، بحيث لا يفكر "في عروبة مصر أو فرعونيتها، فذلك شيء لا يفكر فيه المصريون إلّا حين يريدون أن يتحدثوا في العلم، أو فيما يشبه العلم من الحديث، وأما مصر التي تملأ قلوب المصريين وتدفعهم إلى الأمل والعمل دفعًا فهي فوق الفروض جميعًا، وهي فوق الاحتمالات جميعًا، وهي فوق علم العلماء، وبحث الباحثين وفلسفة الفلاسفة5".
وهذه البيئة المصرية هي التي تحدد مهمة المقال الصحفي في أدب طه حسين في تحقيق "صلة ثقافية بأدق معاني هذه الكلمة وأرفعها بين الشعوب العربية أولًا, وبين هذه الشعوب وأمم الغرب ثانيًا6".