ولا نقع في القرآن الكريم، ولا في الحديث الشريف، ولا فيما أبقت لنا هذه الفترة المبكرة الأولى على غير هذا الاستعمال لهذه اللفظة1؛ فالمقال إذن في صميم هذا الاستعمال العربي، يشير إلى أنه "كلام شفوي" يرتبط بالنطق, فإذا ذكرنا المقال بعد ذلك في العصور التي ازدهرت فيها الثقافة العربية وفي هذه العصور التي نحياها أو أطرافًا منها2 وأنه يعني الكلام المكتوب، أدركنا أضخم الفروق التي طرأت على استعمال هذا اللفظ بين القديم والجديد، ذلك أن هذا اللفظ كان "في حياتنا الثقافية بهذا المفهوم، جزءًا أصيلًا من هذه الثقافة، التي كانت تعتمد في أكثرها على الرواية، فكانت المقالة كلامًا منطوقًا"3 ولم تلبث في عصور التدوين أن اتخذت شكل "الرسائل المقالية" التي يذهب بعض مؤرخي الصحافة إلى أنها مع التجوّز القليل، صحافة كاملة بالنسبة للعصور التي ظهرت فيها4. وهذه الرسائل المقالية -كما سيجيء- تشكل عنصرًا هامًّا من عناصر الأصالة في مقال طه حسين، بصفة خاصة، والمقال العربي بصفة عامة، وإن كان مدلول هذه الرسائل المقالية لا يخرج عن الأشكال التي تشكلت بها الرسائل في الاتجاه نحو الذات, كما نجد في الرسائل الإخوانية, وفي الاتجاه نحو المذاهب المختلفة كما في رسائل الأشعريين والمعتزلة5, ولكننا نجد في هذه الرسائل المقالية على العموم نواةً لفن المقال في الاتجاه نحو الفكرة: سياسية أو اجتماعية كما في رسائل الجاحظ، الذي يعتبر -كما يقول الدارسون6- أول صحفي ممتاز لو أنه عاش في القرن الذي نعيش فيه.
وتأسيسًا على هذا الفهم، للبيئة المصرية فرعونية، وإسلامية، نلاحظ أنها بيئة مهيأة لهذا المقال الصحفي الحديث، لما يتَّسِم به المصريون من وحدة قومية وأصالة دينية، صبغتا المقال المصري بصبغة تميزه بين فنون المقال المدوَّنة بالعربية في أقطار أخرى، ذلك أن المقال المصري إلى جانب ذلك يتمثَّل الروح المصري والذهن العملي الذي يتيح له "لغة عملية تمتاز بالبساطة والوضوح والإيناس واللطف والرشاقة"7 وهي اللغة المستفادة كذلك من "لطف"