من الوقوع في الخطأ، ويمكنه من بلوغ الإقناع في جميع ما يستطيع معرفته، دون أن يستنفد قواه في جهود ضائعة.
وقد وجد طه حسين في منهج ديكارت الفكري، وقواعد "هداية الذهن"1 أسسًا تحقق لمقاله النزالي خطة مرسومة، ومنهجًا محددًا، في مجال النظر والعمل, وهو في المجال السياسي أنسب المناهج التي تجعله يبدأ النظر من جديد حتى يتبين الحقيقة، ولكن هذا المنهج الديكارتي في نزال طه حسين يقابل وسيلة أخرى توسَّل بها في مقاله لاجتناب الخطأ في النزال، "حين يتحتم أن تُسْتَخْدم للتمحيص مع كثير من العناية والتأمل طريقة يعرفها المسلمون جيدًا, هي طريقة "التجريح والتعديل Inadmissible et Intole'rable, وطريقة التجريح والتعديل ابتدعها رواة السنة النبوية, مؤداها البحث الدقيق الذي يجب إجراؤه للتحقق من أمانة المحدِّث وصدقه، وكلما أريد التحقق من صحة حديث روجعت تلك المعلومات الخاصة بمن رواه من المحدثين, وقد انتهى الأمر بأن جعل من تلك المعلومات شبه معجمات يستطيع مراجعتها كل عالم, فيستخرج منها بعض القواعد التي تساعد في تقدير قيمة كل حديث. وتؤلف هذه القواعد عما يعرف "بمصطلح الحديث"1.
ويقول طه حسين: "ويجب تطبيق هذه الطريقة على الوقائع التاريخية التي تأتي بها الرواية, فإذا كان الراوية أمينًا صادقًا.. سليم الذهن, أمكن تصديق ما يرويه.. إلخ3.
ونجد آثار هذه الطريقة، وآثار المنهج الديكارتي في مقال طه حسين، بصفة عامة، وفي مقاله النزالي خاصة، ليكتشف الظواهر السياسية والاجتماعية والثقافية بأداة العقل، وليزيل الأوهام العالقة بالمجتمع التقليدي، على أن توكيده أن العقل ليس هو الملكة الوحيدة للمعرفة، يؤكد ما ذهبنا إليه من قبل، من ارتباط منهجه العقلي بإحساس عملي واقعي وظيفي، يتابع الظواهر ويتقرَّاها ويسيطر عليها من خلال مقاله الصحفي في نهاية الأمر. ومن نماذج هذا المقال الصحفي النزالي، مقال بعنوان "موقفان"4, يقول فيه: "الناس يقولون ويسرفون في القول، ويؤكدون ويلحون في التأكيد أنَّ صاحب المعالي وزير الأشغال لا يحب خزان جبل الأولياء ولا يطمئن إليه، ولا يرى على أقل تقدير العجلة في إقامته وتشييده وتكلف ما سنتكلفه من النفقات في