وقد استطاع طه حسين بقواعد المنهج الديكارتي أن يثير لدى القراء الرغبة في "التفكير؛ لأن الإنسان الذي يشك لا بُدَّ أن يفكر، والشك هو دليل الفكرة, كما أن الفكر دليل الوجود، وتأسيسًا على هذا الفهم تصبح الكتابة أمرًا محتَّمًا -عند طه حسين؛ إذ لا بُدَّ من وجود "قوم يكتبون وكثرة من الناس لا بد من أن تقرأ"1. وهذه القراءة ليست "لقطع الوقت"2, ولكنها غذاء "العقل والذوق والقلب"3.
ومن أجل هذه الغاية يصبح النزال في قاموس الكلمات الكاشفة، إن صحَّ هذا التعبير، يقابل "الخصام" في قاموس طه حسين4، ذلك أن الصحف في سبيل إثارة "التفكير" كانت تشترك "في درس موضوع واحد أثاره كاتب من الكُتَّاب, فأنكر عليه كاتب آخر بعض ما قال, أو كل ما قال، وأسرع إلى هذا الكاتب وذاك أنصارهما فاختصموا وأطالوا الاختصام، وانتفع القراء والكُتَّاب جميعًا بهذه الخصومات"5. بل إن هذه الخصومات أو النزاليات هي التي بنت لجيل طه حسين "مجدًا, وجعلتها من قادة الرأي"6. ذلك أن من طبيعة الكاتب نفسه أن "يكتب, ومن طبيعة نفسه أن يتصل بالناس، ليقرأوه ويشاركوه في الحس والذوق والشعور"7. والكاتب لذلك -عند طه حسين- ليس محتاجًا إلى أن "يرضي الناس عنه فحسب، ولكنه محتاج إلى أن يرضوا عنه ويسخطوا عليه"8, بل إنه يذهب إلى أن "الخصومة قوام الحياة, ولأمر ما قال الناس منذ أقدم العصور: إن الحياة صراع، وإن الحياة صراع، وإن الحياة جهاد"9.
وفي ضوء الرؤية الوظيفية للنزال عند طه حسين، نحاول أن ننظر في عجالة سريعة، في خصائص المقال النزالي في صحافته, والتي تميز بها في أداء الوظائف الصحفية للمقال:
أولًا: إن طه حسين يتوسّل بالنزال توسُّلًا وظيفيًّا في مقاله, فقد أراد إلى أن "يستيقظ النائم ويتنبه الغافل ويخرج الهادئ من هدوئه, ويزعج المطمئن الراضي عن اطمئنانه، ورضاه"10, وهو لم يرد إلى ذلك في النزال السياسي فحسب، ولكنه ذهب إلى ذلك في النزال الأدبي والثقافي أيضًا، ذلك أنه كان يذهب إلى أن لا شيء "أضرَّ بالحياة وأدفع لها إلى البلادة والجدب من هذا الذي يتورَّط فيه المثقفون من الخمود والركود، والرضى بما كان" والاطمئنان