الأمر وسيلة لدعوة القراء إلى "التفكير", و"متابعة" ما يكتب الكُتَّاب؛ ليؤدي المقال وظائفه "التوجيهية" و"التقويمية" و"الإقناعية" على أفضل نحو ممكن.
ولعل في كلمة "أندريه جيد" تليخصًا لمحور النزال في مقال طه حسين، ونعني قوله: "لتكن حياتك ثائرة مثيرة، لا تجعلها هامدة ساكنة"، فالقالب النزالي في مقال طه حسين وسيلة ثورية يتوسّل بها إلى هدم الهدم، والتقليد والمحاكاة، وهو لذلك ينتقل من الاعتماد على المنطق الأرسطي في طور التكوين، والذي كان يتخذ منه سلاحًا ذا حدَّيْن في مقاله النزالي، من حيث تنظيم التفكير والتسلُّح بعدته في النزال، إلى منطق جديد يتوسَّل بالأسلوب الديكارتي الوظيفي، حيث لم يعد يكتب "حبًّا في الكتابة ورغبة فيها"1 كما كان يفعل في طور التكوين الصحفي، ولكنه أصبح يكتب من خلال رؤيا وظيفية للمقال، تتغَيَّا التبسيط والتوجيه والتقويم والتثقيف، وما إلى ذلك من الوظائف التي تسهم في تكوين الرأي العام المصري، الذي يريده طه حسين على أن يكون "أشد أنواع الإصلاح سطوة وأعظمهم بطشًا"2.
ذلك أن دوافع الكتابة والتحرير عند طه حسين، تأتي من أن "موضوعًا من الموضوعات مشكوك فيه, فلا بُدَّ من أن يثيبت, أو غامض فلا بُدَّ أن ينجلي، فلا بد من أن يعرف, أو ضعيف فلا بد من أن يقوى, أو قوي فلا بد من أن يضعف"3. فهذه الدوافع للكتابة والتحرير عند طه حسين تقتضي التوسُّل بوسائل جديدة "لهداية الذهن", كما ذهب إلى ذلك "ديكارت" في معارضة المنطق الأسططاليسي، ذلك أن هذه الوسائل تتيح للمقال الصحفي، وللقالب النزالي منه خاصة، السير على هدى؛ وخطة مرسومة، ومنهج محدد، ذلك أن ديكارت يذهب إلى أن أوَّل ما يلزم للمعرفة، وللإنسان الواعي، هو الشعور بضرورة المنهج، ثم إيجاده، وتطبيقه في مجالي النظر والعمل جميعًا, ويتحدد هذا المنهج في "قواعد مؤكدة تعصم الذهن الباحث من الوقوع في الخطأ، وتمكنه من بلوغ اليقين في جميع ما يستطيع معرفته، دون أن يستنفد قواه في جهود ضائعة"4، وهذه القواعد عند طه حسين هي التي تحدد منهجه المقالي في المعرفة ليبدد آثار ما تبقَّى من "عصور الظلمة المظلمة, والجمهور القبيح"4.