الجرحى يتنازعون بينهم أمر الحضارة وعلاقتها بالحروب، يأبى الدكتور طه حسين إلّا أن يثبت نفع التقاتل للجمعيات البشرية, وعنده أن كلَّ مدنية في الأرض إنما تنبت تحت ظلال السيوف. ولكن الدكتور هيكل يفزع من سيلان الدماء الإنسانية, ولا يرى خيرًا في الحرب التي هي في نظره بقية مما تركت الوحشية في صدور الناس، فلسفة الأزهري القديم فلسفة مسلَّحة، وفلسفة الأستاذ المحامي دعة وسلام"1.
وفي الفلسفة المسلَّحة عند طه حسين، نجد فكرة متكاملة لموضوع النزال؛ لأن طبيعة هذه المساجلة أشبه بالمناظرة الفكرية حول موضوعٍ يمسُّ البيئة العامة عن قرب, وهو موضوع الحرب الدائرة في العالم أثناء كتابتها، فهي أقرب إلى أن تكون موقفًا من المتناظرين إزاء المناخ العام، لا سيما وأن "السفور" قد نشأت في ظل الأحكام العرفية بعد "موت" الجريدة، ولم تكن لتصدر إلّا إذا أعلنت أن "لا شأن لها بالسياسة"2, ولذلك تنتقل هذه" الفلسفة المسلَّحة" إلى طورٍ جديد بعد ثورة 1919, وصدور صحيفة "السياسة" التي اتجهت في اتجاه المعارضة، وعرفت "كيف تشغل المفكرين المصريين" بمناهجها الجديدة3، فقد كان محرورها -كما يقول هيكل4- قد شعروا بأن ما أصاب الصحافة من هزال الحرب بسبب المراقبة جعلها بعيدة عن الغاية السامية التي وضعت لها, وذلك كله تجب مداواته ليتسع أمام النظر الحياة, وليشعر الناس بأن حريتهم في هذا المدى الواسع غير محدودة, وليقدروا ما كسبوه بسبب هذه الحرية من قوة في الحياة, ومن سلطان وسعادة للوصول إلى هذه الغاية.. جاهدنا، لتدخل الصحافة ما يقتضي الحال إدخاله من التجديد5.
وتقوم الفلسفة المسلحة عند الأزهري القديم في هذا التجديد المقالي، الذي أدخلته "السياسة" في الصحافة المصرية من بعد، على الاتجاه نحو الهجوم دائمًا، بحيث يبقى خصمه "مدافعًا أبدًا"6، ونجد هذه القاعدة في فن النزال عند طه حسين، لا تشذُّ إلا حين يصدر كتابًا من كتبه فيتناوله بالبحث، كما نجد في نشأته ومقوماته الشخصية ومصادر ثقافته، من تقويم هذا النزال وتوجيهه.