حين يسمع بأن ما ينشر تحت عنوان "اللزوميات" في "المؤيد" هو للمنفلوطي، ولما يتبين حقيقة الأمر بعد، إلى أن ينقد ما نشر تحت هذا العنوان على أنه صادر من صاحب "النظرات" فيقول: "ومهما أكثر أبو فصاده من أقيسته، وأطال أبو العلاء في لزومياته، ومهما أغرق كلاهما في الإخفاء وانتحال الأسماء، ومهما نصبت لأحدهما الشباك، واختلفت في ثانيهما الآراء، فإن كثيرًا من الناس يعرفون من هما، ولا ينظرون إلى أقوالهما ... إلخ"1.
على أن فن النزال في مقال طه حسين لم يلبث أن تطور ليغدو فنًّا قائمًا بذاته، يدور حول فكرة شاملة، ويسعى إلى الغلب والفوز والإقحام والتوجيه والتقويم، متوسِّلًا بالسخرية والتهكم في أحيان كثيرة، وقد يلجأ إلى الاستفهام الإنكاري، وهي أمور أكسبت مقاله النزالي بعد اتساع ثقافته ونضوجها سمات جدلية تتوسَّل بالمنطق والتفكير العقلي، على نحو ما تشير إليه المقالات الواعدة في "السفور"، حيث لم يعد يكتب حبًّا في الكتابة ورغبةً فيها فحسب، وإنما يترسَّم وظيفة اجتماعية للنزال لكي ينجاب عن المجتمع العربي "هذا الفتور، ويذاد هذا النوم2، ولعله من أجل ذلك "صنع" مساجلة "الحرب والحضارة" مع صديقه الدكتور محمد حسين هيكل الذي يقول: أذكر أن صديقي طه حسين كتب بعد أشهر من صدور السفور وبتوقيع "تأسيت" مقالًا قيمًا بعنوان: "الحرب والحضارة", أيد فيه النظرية القائلة بأن الحروب هي التي دفعت الإنسانية إلى الأمام، وهي التي قدَّمت العلم، وهي التي أنشأت الحضارة المختلفة وأقرتها بين بني الإنسان, وتلوت المقال كما كنت أتلو كل ما يُكْتَب في السفور، ولما ذهبت إلى القاهرة والتقيت وطه, سألني إن كنت قرأت مقاله.. فأبديت له إعجابي به ودهشتي للفكرة التي أملته في وقت تدوي فيه الميادين كلها بأهوال القتل والقتال والتخريب وإحراق المدن. فأجاب: "إنما كتبت هذا المقال لترد أنت عليه حتى نتجادل، ولتؤيد النظرية المضادة التي تذهب إلى أن الحروب طالما دمرت وخربت، وإن حماقة الإنسانية هي التي تدفعها للحروب". وراقتنا الفكرة جميعًا؛ لأنها "تدعو شبابنا للتفكير، وتدعو قراءنا لمتابعة ما نكتب". فالناس لا يحبون شيئًا حبهم الخلاف والجدل، وإن بلغا من العنف مبلغ النضال والحرب"3.
وفي هذه المساجلة اتخذ "دكاترة السفور" على حدِّ تعبير الشيخ مصطفى عبد الرازق4 حديث الحرب فلسفة, وقاموا "بين صيحات التواكل وأنين