المصرية التي ظهرت بعد الحرب العالمية الأولى، وأخذت تتزايد شيئًا فشيئًا فيما بعد. وقد انزلقت هذه المعارك السياسية أو الحزبية إلى مستوى الخوض في الأشخاص والأعراض.
على أن الصحافة المصرية قديمة عهد بالنزال العنيف، فقد كانت بين المويلحي وعلي يوسف ملاحاة ومهاترات لا ندري لها سببًا غير المنافسة الصحفية بينهما1. ولكن هذا النزال العنيف "تحضَّر وتمدْيَن على يد صحيفة "السياسة", فصار أبلغ في الإيذاء. والعنفت السوقي القديم كان يقابل في الماضي من ضحاياه بالازدراء أو التأديب الجسماني، ولكن العنف المتحضِّر يحز ويؤلم ويرهق. فكانت إذ ذاك حرب الأعصاب قبل أن تخلق الكلمة, وكان من تلك الأيام أن أولعنا نحن المصريين بحب الصحافة المهاجمة وخصوصًا إذا تناولت الأشخاص. والناس يعرفون أن الصحف يتسع انتشارها حينما تكون معارضة، بل إن مؤيدي الحزب الحاكم يفضلون قراءتها على قراءة جرائد حزبهم، إذ هي ترضي في المعارضين والمؤيدين جميعًا ذلك الولع بتعقُّب الرجال الذي اكتسبناه أجمعين2.
وعند الدكتور طه حسين، نجد هذا الفن النزالي والاتجاه القوى إليه منذ بيئة التكوين الصحفي، فهو حريص على النزال ليتابع "القراء ما يكتب"، وهي الرغبة التي أفصح عنها في مقالاته الأولى حينما طلب في مقال "من أيهم أنا"3 أن "يسمع كلمة لناقد", 4 أو "يرى مقالًا لعائب"5, بعد أن دعا "القراء إلى أن ينازعوه أطراف القول فيما يكتب أو يقول"6, وفي ذلك ما يشير إلى استجابته لمذهب "الغُلُوّ والإسراف" في التحرير الصحفي عند عند أستاذه الشيخ عبد العزيز جاويش7، وما يستتبعه من عنف في النقد والنزال، على النحو الذي تكشف عنه مقالاته الأولى في نقد المنفلوطي من عرضٍ كاريكاتيري, وسخرية مُرَّة لاذعة، فهو يسمي كتاب المنفلوطي "طاعون اللغة"8, ويخطابه ساخرًا على النمط البياني: ".. فلا أقسم بالزور وأحاديث الغرور، ما رزء الآباء في الأبناء, والأمهات بالبنات بأعظم ما رزء العلم بمثلك, وإني عليك من هذا لمن المشفقين"9 هي سخرية أقرب منها إلى الهجاء النثري، تدفعه