الصحفي سكرتارية تحرير مجلة "الهداية" مع الشيخ عبد العزيز جاويش، وقد أشار إلى ما أفاده من معرفة أدوار الصحيفة، كما تَقَدَّمَ، وتظهر هذه الإفادة فيما بعد حين يتولَّى رئاسة تحرير صحيفة كبيرة مثل "كوكب الشرق" اليومية، وحين يتولَّى كتابة المقال الرئيسي في صحيفة "السياسة" اليومية, إلى جانب عمله كمحرر "أدبي" للصحيفة؛ بحيث يمكن تشبيه خلاصة هذه الحواس الصحفية عند طه حسين بقوله عن الصحافة أنها "نار مضطرمة لا يَقْدِرُ على أن يُصْلَى بها إلّا الذين يهيئون لها أنفسهم ويسلكون إليها سبيلها, ويعرفون كيف يصلونها دون أن تحرقهم أو تحيلهم رمادًا, لا يغنون عن أنفسهم ولا عن غيرهم شيئًا. فليست الصحافة من اليسر بحيث يظن الشباب الطامحون إليها المتهافتون عليها، وإنما هي فن من أعسر الفنون الذي ينبغي أن يتهيأ له الآخذون فيه كأحسن ما يكون التهيؤ. والشباب الذي يريد أن يكون صحفيًّا لن يكفيه أن يقرأ الصحف, ويحاول تقليد ما ينشر فيها, ولن يكفيه أن يسمع ما يلقى من الدروس الكثيرة القيمة في معهد الصحافة أو في قسم الصحافة كما يقال الآن, بل يجب أن يتعلم هذا الفن في موطنه, ويبدأ من حيث يجب الابتداء, فيختلف إلى دار صحيفة من الصحف بالضبط كما يختلف إلى معهد الصحافة أو قسمها, ويقضي في هذه الدار بياض يومه أو سواد ليله أو كليهما أحيانًا, لا ليسمع فحسب, ولا ليكتب, ولكن ليرى آخر الأمر هذا الجهد الطويل والعناء الثقيل والصبر على المكاره التي لا يطيق أكثرها إلا الأقوياء المصممون"1. فالصحافة عند طه حسين "علم وعمل، وهي علم بالحياة أولًا وبحقائقها ودقائقها وأسرارها ومشكلاتها, وتهيؤ لاستقبال الأحداث وتعمقها وفق أسبابها ونتائجها"2. وقد تعرَّفنا فيما تقدَّم على فهم طه حسين للجمهور, ولطبيعة الاتصال الصحفي, وعلى مهارته الاتصالية، وهي أمور تكفل له في النهاية هذا التفوق في تحرير المقال الصحفي. كما تعرَّفْنَا على مكانه من الهيئة الاجتماعي والثقافية، وهو المكان الذي أسهم في هذا التفوق في التحرير الصحفي، نتيجة تأثيرها على سلوكه الاتصالي، وأسلوبه في الاتصال بالجماهير.
ومن مظاهر ذلك التأثير في مقاله طه حسين، قوله: إن "للظروف السياسية ذوقًا كثيرًا جدًّا، دقيقًا جدًّا، شديد الحسِّ، شديد التأثر، شديد التفكير في غده, شديد الملاحظة لما قد يقال"3. ولكن هذا الذوق السياسي "دقيق حسَّاس فيما يمسّ الوزارة ورئيسها, وفيما يمسّ البرلمان وأعضاءه، ولكن أحدًا لا يشعر بدقته ولا يحسّه فيما يتصل بحياة هذا الشعب نفسه، فلم يسأل أحد عن