- "ماذا صنعت، قل لي ماذا صنعت، بأيام الشباب"1.
ومثل ذلك الاستشهاد الوظيفي، استشهاده ببيتين من الشعر العربي القديم، يتمثَّل بهما في تصوير "موقف الحكومة بإزاء المفاوضة مع الإنجليز"2 و"موقف الحكومة بإزاء مسألة الدين"3 وغيرها من المسائل التي "يخوض فيها الناس من المصريين والأجانب, فتثير في نفوسهم شكوكًا وريبًا, وتخلق جوًّا رديئًا قوامه سوء الظن وفساد الرأي وضعف التعاون, الذي يجب أن يكون بين الذين يعيشون على ضفاف النيل من المصريين والأجانب جميعًا، وكلٌّ يرتاب لصاحبه, وكلٌّ يخاف من صاحبه، وكلٌّ يصدق فيه قول الشاعر القديم:
فإما أن تكون أخي بحق ... فأعرف منك غثي عن سميني
وإلا فاضطرحني واتخذني ... عدوًّا أجتويك وتجتويني4
ومن ذلك يبين أن طه حسين من بين قادة الفكر ورجال القلم, قد أفاد من ثقافته العريضة والعميقة في بعض مواضعها على نحو ما نعلم عن ثقافته في مقاله الصحفي، وهو الأمر الذي جعلنا نذهب عند الحديث عن أسلوبه إلى أنه أسلوب ثقافي.
رابعًا: وهو خلاصة ما تَقَدَّم من الصفات، أن طه حسين كاتب المقال الصحفي، نتيجة لمقومات شخصيته التي حاولنا التعرُّف عليها في القسم الأول؛ قد تمتَّع بحاسَّة اجتماعية مرهفة، وقدرة على الانغماس في المجتمع والاتصال بالجماهير، وموهبة في الحديث والإيناس، ونحو ذلك من الخصال التي تمكِّنُه من الوقوف على حقيقة الرأي العام، ذلك أن طه حسين -كما يقول خليل ثابت صاحب "المقطم"5 قد طابقت براعة الكاتب فيه براعة المحدث، وكان أسلوب طه حسين الكتابي أسلوب الحديث، ومن خصائص هذا الأسلوب أن يمضي فيه صاحبه عفو الخاطر الدافق، سهلًا لين المراس مسرعًا مستهلًّا، مستوقفًا مستفهمًا حازمًا، ساخرًا جادًّا قافزًا مستطردًا مرددًا معيدًا، همه الأول أن يظل ظافرًا بانتباه القارئ, فلا يدع إذنه تفرغ من نبرة الصوت وتسكاب الكلام"6.
وعند طه حسين نجد أن هذه الحاسة قد نمت وتطوَّرت معه منذ اتصاله بالصحف، في الجريدة واللواء، والسفور، بل إنه تولى في مرحلة التكوين