آلام هذا الشعب متى تنتهي"1. ومن ذلك يبين أثر مكان طه حسين من الهيئة الاجتماعية، وهو المكان الذي ذهب به إلى الوقوف في صفوف الجماهير العريضة، على نحو ما فصلناه فيما تَقَدَّمَ.
وتبين قدرة طه حسين على الانغماس في المجتمع من استقصائه لمظاهر سخط الناس في مصر على الحياة السياسية أثناء المحنة الدستورية, وهو يستقصي هذه المظاهر عند كل القاطنين مصر "مهما تكن الظروف، ومهما تكن البيئات، ومهما يكن المسئولون"2، كما يستقصيها عند المصريين "على اختلاف طبقاتهم وتباين منازلهم، وتفاوت حظوظهم من الثقافة والتعليم"3. ثم يستقصي هذه المظاهر عند الأجانب: "ستسمع منهم جوابًا يشبه جواب المصريين، فهم غير راضين، وهم غير مطمئنين، ومع ذلك فقد كانوا يعلنون الرضى منذ حين"4, ولكنهم "برغم هذا ليسوا راضين الآن، ولا مطمئنين، وإنما هم ساخطون أشد السخط, قلقون أعظم القلق، لماذا؟ لأن المصريين أنفسهم ساخطون قلقون، لأن الحياة كلها في مصر ساخطة قلقة مضطربة، ولأن الأجنبيّ لا يستطيع أن يرضى ولا أن يطمئن إلّا إذا رضي من حوله واطمأنَّّ الناس الذين يعيش معهم، ويعاملهم في كل يوم، ولأن سوء الظن بالأجنبي قد وجد السبل إلى نفوس المصريين لما ظهر من إسراف الرجال الرسميين في هذا العهد في إرضائهم ومحاباتهم وإيثارهم بالخير والبر دون أبناء الوطن. وإذا وصل سوء الظن بالأجانب في قلوب المواطنين فلا بُدَّ من أن يصل إلى قلوب الأجانب أنفسهم، ولا بُدَّ أن تقوم الصلات بين الوطنيين والأجانب على الشك والريبة، وعلى الحذر والاحتياط، وعلى الخوف وانتظار المكروه، وليس هذا كله مما يُقِرُّ الرضى في القلوب ويذود السخط عن النفوس"5 إلخ.
ومن هذا الأسلوب الاستقصائي يبين أنه أسلوب في استقراء الرأي العام، يقوم على حاسة اجتماعية مرهفة، وقدرة على الانغماس في المجتمع بالغة، وموهبة في الاتصال بالجماهير. وهي أمور تجعل من فن "المقال الرئيسي" عند طه حسين مقالًا صحفيًّا في مكان الريادة من تاريخ الصحافة المصرية الحديثة.