وهؤلاء يخشون العقل فيحاربونه! ويحتاجون إلى العقل فيتملقونه! وأولئك وهؤلاء يتخذون وسائل القوة المادية العنيفة بإذلال العقل وإخضاعه لما يريدون! "1.
وينتقل من تصويره لمحنة العقل في أوربا ليتحدث عن موضوعه الأساسي في مصر: "يجب أن يكون لمصر حظّها من فتنة العقل واضطهاده، فمصر جزء من أوربا، ويجب أن تأخذ بحظٍّ من كل ما يقع في أوربا!.
"ظهرت الثورة الديمقراطية في أوربا، فثار بها بعضنا في مصر, ظهرت بدعة الدكتاتورية في أوربا فشغف بها بعضنا في مصر! ظهر إذلال العقل في أوربا، فجدت فيه حكومتنا في مصر! وهل يقع في الجامعة المصرية الآن إلّا هذا, إنما حياة الحكومة والجامعة حرب متصلة بين السياسة والعقل، قد انتصرت فيها السياسة على العقل انتصارًا مؤزَّرًا لا يعزى الناس عنه إلّا أنه موقوت يزول بزوال مصدره، وهو الوزارة القائمة"2 إلخ.
وهكذا يبين أثر ثقافة طه حسين في التوجيه الوظيفي للثقافة في المقال الصحفي، الأمر الذي يتيح له الحكم الصائب، والنظر الصادق والتوجيه السليم.
ومن هذه النماذج أيضًا، مقال بعنوان: "البرنامج المرن - لوزان"3 يستشهد فيه بفيلسوف من فلاسفة اليونان "ولعله أرخميدس- وكان يبحث عن نظرية من نظريات العلم. لا أذكر ما هي, وقد طال بحثه واشتد جهده, وتكلَّف عناءً كثيرًا, وإنه لفي الحمام ذات يوم أو ذات ليلة, ذات صباح أو ذات مساء, لا ينبؤنا بذلك التاريخ, إذ أُلْهِمَ الحلّ أو ظفر به, فأخذ يصيح "وجدت! وجدت! " "صلى الله عليه وسلمvoraka! صلى الله عليه وسلمvoraka! " هل فهمت الآن؟ " وهو يتمثَّل بهذا المثل تمثلًا وظيفيًّا في المقال، حيث يقابل بين هذا المثل بسياسة الوزارة التي "ما زالت تبحث عن حل لمشكلة لوزان"4.
وقد يستدعي من ثقافته الأدبية بيتًا من الشعر الفرنسي أو العربي يستخدمه في المقال كذلك استخدامًا وظيفيًّا، كما فعل في مقاله له عن عيد الجهاد الوطني، وارتداد بعض رجال ثورة 1919 عن ثوريتهم: "وما رأيك في وزير من أبناء الثورة يشترك في إعلان الحرب على يوم الثورة5، في فترة الانتكاسة الدستورية، فيستدعي لهذا الوزير بيتًا "لشاعر فرنسيٍّ حديث يسأل نفسه هذا السؤال: