ولكنها تجاوزت ذلك إلى تأهيل أجيال من الصحفيين يكون في مقدورها القيام بأعمال هذه الوسيلة الجماهيرية، التي يعتبرها أداة "لتثقيف الشعب وتهذيبه وتصفية ذوقه وتنقية طبعه، وتحقيق الصلة بين طبقاته, وتحقيق الصلة بينه وبين غيره من الشعوب"1.
ونكتفي في هذا الصدد بأن نشير إلى نماذج من المقال الصحفي في أدب طه حسين، تكشف عن أثر ثقافته في توجيه مقاله توجيهًا وظيفيًّا. ومن هذه النماذج مقال بعنوان: "إذلال"2 يتحدث فيه عن "محنة العقل في الجامعة، هذه التي تريد أن تقصي عن مجالس الكليات كما أقصت عن مجلس الجامعة طائفة من الأساتذة المساعدين، هم الذين قامت عليهم الجامعة، سيصبحون منذ اليوم، وليس لهم إلّا إلقاء الدروس، وسيقضي فيهم الأجانب وكبار الموظفين وهم صاغرون! "3.
ويستخدم في هذا الموضوع، الذي تدور فكرته حول محنة العقل4، شواهد تثبت أن "السياسة مصدر هذه المحنة"5 مستقاة من ثقافته، ومن هذه الشواهد قوله:
"ومن قبل ذلك أُذِلَّ العقل في روسيا، فشُرِّدَ العلماء والكُتَّاب، وأُذيقوا ألوان الذل والعذاب، ولم تزل بهم سياسة البلاشفة حتى أخضعتهم لسلطانها، واضطرتهم إلى أن يكونوا لها أعوانًا وأبواقًا"6, ثم يقول بعد تفصيل ذلك في روسيا وألمانيا وإيطاليا7:
"ولا بُدَّ لمصر من أن يمتحن فيها العقل كما يمتحن في هذه البلاد الأوربية الراقية، ولا بُدَّ للسياسة من أن تذل العقل في مصر، كما أذلَّت العقل في ألمانيا، وكما أذلَّته في روسيا، وكما أذلَّته في إيطاليا، لأن مصدر طغيان السياسة واحد في هذه البلاد كلها, مهما تختلف صوره وأشكاله، هو سخط على الديمقراطية، وإنكار لها، وتَبَرُّمٌ بها, ومحاولة لتطهير الشعوب منها. قوم يريدون أن يبسطوا سلطان العمال على غيرهم من الطبقات، فيحقِّقُون طغيان العمال، وقوم يريدون أن يحاربوا الشيوعية ويمكنوا الطبقات الوسطى من القضاء عليها, فيحققون طغيان هذه الطبقات, وقوم لا يجدون أمامهم شيئًا, لا يطمعون في التسلط, ولا يجدون أمامهم طبقات وسطى تحتاج إلى أن تقاوم وتدافع عن نفسها، ولكنهم يجدون أنفسهم وأطماعهم وأهواءهم وشهواتهم وإيمانهم لأنفسهم بالعصمة، فيريدون أن يخضعوا لأنفسهم أمة كاملة، وشعبًا بأسره، وأولئك