ويخلص من هذين الاستجوابين: الماضي والحاضر، إلى أن "الأمور مرهونة بأوقاتها, وأن سقوط الوزارة قد يكون, ولكن في الوقت الموقوت، وهذا الوقت الموقوت قد يكون في يونيو, وقد يكون في يوليو, وقد يكون قبل ذلك, وقد يكون بعد ذلك، ولكنه لن يحين إلّا بعد أن يتمَّ التدبير والتقدير لإقامة الخزان. فليؤجل الاستجواب شهرًا، وليؤجل الاستجواب شهرين، ولينظر الاستجواب قبل الشهر أو قبل الشهرين، فلن تفيد مصر من تأجيله أو تعجيله شيئًا"1.
ثالثًا: أن طه حسين نتيجة لثقافته العريضة، والمتعمقة في بعض المجالات؛ كالأدب العربي والأدب الفرنسي والتاريخ والعلوم السياسية وغيرها، تمكن من الوقوف على المعلومات التي تمكِّنُه من الحكم الصائب والنظر الصادق، والتوجيه السليم.
ولعل في ذلك ما يفسِّرُ رؤياه للجامعة كبيئة لا يتكوّن فيها العالم وحده والعامل وحده، وإنما يتكون فيها الرجل المثقَّف المتحضِّر الذي لا يكفيه أن يكون مثقفًا, بل يعنيه أن يكون مصدرًا للثقافة، ولا يكفيه أن يكون متحضرًا, بل يعنيه يكون مصدرًا للحضارة2. وفي ضوء هذه الرؤيا يذهب إلى أن تقوم الجامعة بتهيئة فريق من الشباب وتثقيفهم في فروع من العلم على وجه يمكِّنُهم بعد الظفر بالدرجات الجامعية من أن ينهضوا ببعض التبعات في أنحاء مختلفة من الحياة "نهوض الرجل المستنير المهذب الذي يحسن فهم الأمور وتقديرها, ويحسن التعبير عَمَّا فهم, والتصوير لما قدر, ويتصرف بعد هذا كله فيما يعرض له من الأمر تصرُّف الرجل ناضج العقل, نافذ البصيرة, العالِمِ بما يأتي وما يدع. وأنحاء الحياة هذه التي يهيأ لها هذا الفريق من الشباب كثيرة مختلفة؛ فمنها ما يكون في دواوين الحكومة ومصالحها, ومنها ما يكون في الصحف السيارة على اختلاف أغراضها ومذاهبها3.
وتأسيسًا على هذا الفهم يذهب طه حسين إلى أن "حاجة الشباب الصحفي إلى الخلق المتين والثقافة العميقة الراقية أظهر من أن تحتاج إلى دليل"4، ولذلك يدعو في "مستقبل الثقافة" إلى إنشاء "مدرسة عملية للترجمة والتحرير والصحافة, يختلفون إليها متى بلغوا السنة الثالثة في كلية الآداب, ويدرسون فيها سنتين؛ بحيث إذا ظفروا بإجازتها مع الليسانس كانوا أهلًا للنهوض بأعمال الترجمة والتحرير والمشاركة في أعمال الصحافة"5, ويقترح طه حسين لهذه المدرسة تنظيمًا يسمح "للطلاب بأن يختلفوا إليها دون أن يجدوا