"دائرة"1 يشير فيه إلى "الشعوب التي فتحت مصر وأخضعتها لسلطانها, وسلطت عليها شيئًا غير قليل من الظلم والجور, فلم تمح شخصيتها, ولم تلهها عن حقها واستقلالها "وقد ذكر" العرب بين هذه الشعوب"2 ولم يذكر الفتح العربي: "وأنا واثق بأن الفتح الإسلامي قد حمل إلى مصر خيرًا عظيمًا؛ لأنه حمل إليها الإسلام، ولكني واثق أيضًا بأن الحكم العربي في مصر لم يكن كله عدلًا وبرًّا, وإنما كثر فيه الجور والبغي على مصر, كما كَثُرَ على غيرها من البلاد الإسلامية بعد أن استحالت خلافة الخلفاء الراشدين إلى ملك قوامه البطش والقوة. وتاريخنا المصري حافل بظلم العُمَّال وبغي الولاة وارتفاع شكاة مصر إلى قصور الخلفاء من بني أمية وبني العباس؛ حيث كانت تهمل كثيرًا وتظفر بإنصاف الخلفاء أو محاولتهم للإنصاف أحيانًا. ولست أكتب هذه الكلمة لأفصِّل تاريخ الحكم العربي في مصر, إنما أريد أن أبيِّنَ لكم ولإخواننا العرب أني حين أشرت إلى العرب في ذلك المقال -"دائرة"- لم أرد غضًّا من أحد, ولا إساءة إلى أحد, وإنما أردت تقرير الحق في نفسه, والدفاع عن حق مصر الحديثة في الحرية والاستقلال"3.
ومن ذلك الرد الذي كتبه طه حسين على ما نُشِرَ في جريدة "فتى العرب"4 الدمشقية حول مقال "دائرة" يبين أن طه حسين يستخدم التاريخ استخدامًا وظيفيًّا، يتضح في هذا المقال من "الدفاع عن حق مصر الحديثة في الحرية والاستقلال". وليس الأمر كما صوَّره السوريون أمرًا "شعوبيًّا"، يهدف إلى الغضِّ من "القومية العربية"، فذهبوا تأسيسًا على تصورهم إلى "النذير بمقاطعة كتب طه حسين وتحريقها5، ذلك أن طه حسين يؤكد لهؤلاء ولغيرهم أنه ليس شعوبيًّا ولم يكن "في يوم من الأيام شعوبيًّا، وإنما أنا رجل عربي الهوى؛ إذا سألت عواطفي وميولي ومثلي العليا في الأدب، فإذا ذهبت مذهب العلم في البحث والدرس فأنا رجل حريص على الإنصاف الخالص أجدُّ فيه ما وجدت إلى الجَدِّ فيه سبيلًا, ولا أوثر أمة على أمة, ولا شعبًا على شعب؛ لأن العلم لا يبيح لأهله مثل هذا الإيثار. وإذا ذهبت مذهب المتحدثين في السياسة المصرية, فأنا مصريٌّ قبل كل شيء وبعد كل شيء, لا أعدل بمصر بلدًا, ولا أوثر على الشعب المصري شعبًا آخر مهما يكن"6.
وقد سبق أن تعرَّفْنَا على الاستخدام الوظيفي للتاريخ في شواهد المقال الصحفي عند طه حسين، ونكتفي في هذا الصدد بأن نشير إلى نماذج من مقالاته