ونفورًا من غد! وهم لذلك أشد الناس تعرضًا للخطأ، وتورطًا في الشر والإثم! وكأن الوزارة كما صورتها جريدة الشعب منذ أيام في تشبيه بديع, خمر معتَّقة لا يكاد يذوقها شاربها حتى ينسى كل شيء! فتمحو من نفسه أمس وتلقي بينه وبين غد حجاجًا صفيقًا! "1.
ثم يذهب بعد ذلك إلى ربط ماضي مصر القريب بحاضرها، ليذكِّرَ الناس بالديمقراطية والدستور اللذين سلبهما صدقي ووزارته.
وقد تعرَّفْنَا فيما تَقَدَّمَ على استخدام التاريخ في مقال طه حسين استخدامًا وظيفيًّا، فهو لا يقف موقف الحكم على صحة القضايا التاريخية أو بطلانها، وإنما يتوسَّلُ بأحداث التاريخ ونتائجه في التوجيه الوظيفي للمقال، فهو يحب الديمقراطية ويؤيدها، وليس المهم عنده صورة الحكم، أو نظام السلطة, وإنما المهم أن يكون هناك تساوٍ وديمقراطية، يضرب لها مثلًا بما شاهده في مؤتمر بلجيكا من ديمقراطية ملكها وحب الشعب له: "لا رقي للشعوب ولا استقرار للعروش إلّا إذا كانت الديمقراطية الصحيحة الواسعة أساس الصلة بين الشعوب والعروش"2.
ولعل طه حسين يتفق في ذلك مع "تين"؛ فكلاهما يبحث عن حلٍّ للقضايا الاجتماعية من خلال نظرته للتاريخ ومراجعته للماضي، وكلاهما يريد تقدُّمَ وطنه وأمته، ويستمِدُّ من التاريخ توجيهًا للسمتقبل3. كما أنهما يتفقان في أن كلًا منهما يجمع من الأعمال قانونًا عامًّا, ويستخدم المنطق ولكن بأسلوبه وصوره4، ونجد آثار ذلك فيما كتبه طه حسين "من بعيد" في صحيفة "السياسة" اليومية، بعنوان: "مؤتمر العلوم التاريخية" يقدِّمُ فيه خلاصة ما دار في هذا المؤتمر, وكان قد قدَّمَ فيه "نصَّ معاهدة دفاعية هجومية" عقدت سنة 692هـ سنة 1292م بين الملك الأشرف خليل بن قلاوون وابن جايم الثاني ملك أراجون وأخويه وصهريه، وكلهم ملوك أسبانيا المسيحية، حاول في موضوعه أن يقوم بمهمتين؛ الأولى: تصحيح هذا النص وتقويم ما فيه من الاضطراب والتحريف, الثانية: إثبات أن هذا النص صحيح من الوجهة التاريخية, وأن هناك معاهدة عقدت حقًّا بين مصر وأسبانيا المسيحية في ذلك العصر5.
ويتضح الاستخدام الوظيفي للتاريخ في مقال طه حسين، من مقال بعنوان: