الصحفي1، فإن التاريخ عند طه حسين أصبح "ينكر فلسفة التاريخ ويقنع بشيء واحد متواضع، ولكنه جليل الخطر, وهو الوصول إلى استكشاف الحقائق التي وقعت في الماضي استكشافًا علميًّا صحيحًا معتمدًا على البحث لا على الفلسفة, فهو كالكيمياء لا يزعم لنفسه القدرة على تحويل المعادن وإيجاد الذهب, وإنما يزعم لنفسه البحث عن الحقائق من حيث هي حقائق لا أكثر ولا أقل"2.

وتأسيسًا على هذا الفهم، فإن هذه الحاسَّة التاريخية عند طه حسين تتيح لنا "التنبؤ بما سيكون, ما دمنا قد استطعنا أن نعرف ما كان"3 ويذهب طه حسين من ذلك إلى أن "التاريخ فنٌّ يعين على استكشاف المستقبل بفضل ما يعلم من حقائق الماضي"4, ولكنه يذهب إلى أننا قد علمنا أشياء كثيرة، ولكن ليس من شكٍّ في أننا لم نؤت من العلم إلا قليلًا، وفي أن ما نجهله أكثر جدًّا مما نعلمه، وليس من شك كذلك في أننا قد حقَّقْنَا من الرقي شيئًا كثيرًا في حياتنا العاملة والعاقلة"5.

ومن ذلك يبنن أن الحاسَّة التاريخية في مقال طه حسين هي التي تمكِّنُه من ربط الماضي بالحاضر والتكهن بالمستقبل، أو كما يقول في مقال رئيسي بعنوان: "نذير"6.

"قليل من الناس يستطيع أن ينصرف عن حديث اليوم إلى حديث أمس, وقليل جدًّا من الناس يستطيع أن ينظر إلى أحداث اليوم, ويتبين منها أحداث غد. ذلك لأن الحوادث الحاضرة التي تحيط بنا تشغلنا عن الماضي، والمستقبل جميعًا، وتحدُّ أعمالنا وتفكيرنا، فإذا نحن مثلها موفقون في كل ما نأتي وما نقول. ولو قد أتيح لكثير من الناس أن يفكروا في أمس، لاعتبروا بما كان فيه، ولجنبوا أنفسهم شرًّا كثيرًا, ولو قد أتيح لكثير من الناس أن يتبينوا ما ستشكف عنه غدًا أحداث اليوم، لأعرضوا عن كثير من الأعمال ولجنَّبُوا أنفسهم آلامًا كثيرًا، وضروبًا من الخطأ"6 إلخ.

وقد ظهرت آثار هذه الحاسَّة التاريخية فيما كُتِبَ من مقالات صحفية, فهو يقول في المقال المتقدم:

"والظاهر أن الوزراء ورجال الحكم هم أشد الناس إعراضًا عن أمس،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015