ينتهي، وإن كُنَّا نعرف حقَّ المعرفة كيف نريد، وكيف ينبغي أن ينتهي. وهو هذا الصراع بين القومية المصرية، والتسلُّط الأجنبي. إن هذا الصراع قائم منذ أمد بعيد، ولكنه لم يأخذ شكله الحادَّ العنيف إلا في هذه الأيام، كما أنه لم يختر لنفسه ميدانًا معينًا مرسوم الحدود إلّا في هذه الأيام أيضًا"1.

ثم ينتقل إلى صلب المقال، فيصل بين التقديم وبين الشواهد: "ففي هذه الأيام ظهر الصراع بين القومية المصرية والتسلُّط الأجنبي حادًّا عنيفًا في المحاكم المختلطة, وهو قد اختار لنفسه إلى الآن ميدانين واضحين كل الوضوح، محددين كل التحديد؛ فأما أولهما: فرياسة الدوائر، وأما ثانيهما: فاصطناع اللغة العربية في كتابة الأحكام"2.

ومن ذلك يبين المنهج الاستقرائي في بنية المقال، فهو يقسِّم المشلكة إلى ميدانين واضحين، ويبدأ من "الكلي" إلى "الجزئي"، فالكلي في تقديم المقال هنا هو: الصراع بين القومية المصرية والتسلُّط الأجنبي، والجزئي: هو ما يتفرَّع عن تقسيم المشكلة من شواهد، يقوم فيها بإحصاءات شاملة وفقًا للمنهج الديكارتي، سواء في الفحص عن الحدود الوسطى, أو في استعراض عناصر المسألة؛ بحيث يتحقق أنه لم يغفل شيئًا. فالمنهج التحريري في مقال طه حسين إذن استنباطي استقرائي يضع المبادئ البسيطة الواضحة, ويتدرج منها إلى النتائج.

وفي المقال المتقدِّم، يتدرج في استقصاء شواهده، ثم يتدرج في تصوير الصراع بين القومية المصرية والتسلُّط الأجنبي، من خلال الشواهد والحقائق التي تؤيد فكرته الكلية التي طرحها في مقدمة المقال، يقول طه حسين في صلب المقال:

"أما في الميدان الأول: فكان من حق القومية المصرية أن تنتهي إلى ما تريد في غير جدال ولا حوار، وفي غير أخذٍ ولا رَدٍّ طويلين, فليس هناك موانع من نصِّ القانون تحول بين القضاة المصريين وبين رئاسة الدوائر حين تتاح لهم هذه الرياسة، ولكن القومية المصرية مع ذلك لم تظفر بشيء إلى الآن, والله يعلم متى تظفر بما ينبغي لها من الفوز. والغريب أن امتناع الفوز عليها لم يأت من ضعف القضاة المصريين في الاستمساك بها, ولا من ظهور هؤلاء القضاة, ولكن ذلك جاء من أن الوزارة التي كان يجب أن تحمي ظهر هؤلاء القضاة قد انكشفت وأسلمت، ولم تستطع أن تَثْبُتَ في موقفها، ولا أن تحتفظ بحقها، بل لم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015