أو خاتمته، ومن ذلك مقال بعنوان "شجاعة"1 "شجاعة" بارعة رائعة"، شجاعة فائقة رائعة، شجاعة سامقة ماحقة, هذه التي يُظْهِرُهَا بعض النواب من حين إلى حين! شجاعة لا أدري كيف يحتملها أصحابها، وكيف يثبتون لأثقالها الثقيلة، وأهوالها الهائلة، مع أنها مخيفة حقًّا، مروعة حقًّا؛ ومزعجة حقًّا للآمنين والخائفين على السواء!
"شجاعة نادرة باهرة هذه التي يتخذها بعض النواب إذا تحدَّثوا عن خصومهم أفرادًا وجماعات تحت قبة البرلمان، فهم يطلقون ألسنتهم في هؤلاء الخصوم بالحق والباطل، وبالخطأ والصواب، وبالجدِّ والهزل, لا يُقَدِّرون شيئًا، ولا يحسبون حسابًا؛ وإنما ينطلقون وكأنما خُلِّيَ بينهم وبين الحركة، فليس إلى تسكيتهم ولا تهدئتهم من سبيل"2 إلخ.
ويرتبط العنصر الثاني من عناصر تحرير المقال الرئيسي، ونعني: عنصر الحقائق والشواهد المؤيدة للفكرة، بعنصر التقديم ارتباطًا عضويًّا وثيقًا، ولكن هذه الوحدة "العضوية" في مقال طه حسين، لا تقوم على الترتيب الاحتمالي، بقدر ما تقوم على ترتيب المنهج الديكارتي في الاستقراء, والذي سبق أن تَبَيَّنَّاه في مقال طه حسين. ويقصد بالوحدة العضوية في مقال طه حسين، وحدة الموضوع، ووحدة الأفكار والآراء التي يثيرها الموضوع، وما يستلزم ذلك من ترتيب الشواهد المؤيدة لهذه الأفكار والآراء ترتيبًا استقرائيًّا به يَتَقَدَّمُ المقال شيئًا فشيئًا, حتى ينتهي إلى "خلاصة" تمثِّلُ العنصر الأخير من عناصر التحرير في مقال طه حسين، يستلزمها هذا الترتيب الاستقرائي للأفكار والشواهد والصور، بحيث تبدو عناصر المقال كالبنية الحيَّة، لكل جزء وظيفته فيها، ويؤدي بعضها إلى بعض عن طريق التسلسل في التفكير والمشاعر.
وتقوم هذه الوحدة في مقاله طه حسين على التفكير الإبداعي النابع من رؤياه الإبداعية في منهج المقال، وفي الأثر الإقناعي الذي يريد أن يُحْدثه في قرائه، وفي الأجزاء التي تندرج في أحداث هذا الأثر الوظيفي بصفة عامة، بحيث تتمشَّى مع بنية المقال بوصفها وحدة حية، ثم في الأفكار والآراء والشواهد التي يشتمل عليها كل جزء، بحيث يتحرَّك به المقال إلى الأمام لإحداث الأثر الوظيفي المقصود منها، عن طريق التتابع الاستقرائي، وتسلسل الشواهد أو الأفكار، ووحدة الطابع, والوقوف على المنهج على هذا النحو -الذي تَعَرَّفْنَا عليه عند الحديث عن الرؤيا الإبداعية في مقال طه حسين- يساعد على ابتكار الأفكار الجزئية والشواهد التي تساعد على توكيد الأثر الوظيفي المراد في