والاجتماع. فتوافر لمقاله التجديد والتحرُّر البياني، كما رأينا عند الحديث عن الأسلوب، على أن طه حسين قد استطاع كذلك أن يوفِّقَ بين الدوائر الثلاث المعروفة في المقال الرئيسي؛ سياسة الجريدة، وصياغة المقال، واهتمام القراء, فلم يعبِّرْ عن آرائه الذاتية كما عبَّر عنها في الأدب، بل إنه كان على وفاقٍ مع رأي الصحيفة والحزب الذي تمثِّلُه، بحيث يصعب الفصل بين رأي الصحيفة ورأي طه حسين؛ لأنه لم يكتب في صحيفة إلّا إذا كان على وفاقٍ معها، فكتب في "السياسة" حين كان على وفاق مع الأحرار الدستوريين, وكتب في "كوكب الشرق" حين اتفق مع حزب الوفد في مقاومة الحكومة الصدقية.
وتأسيسًا على هذا الفهم يمكن أن نتبين في "بنية" المقال الرئيسي عند طه حسين هذه العناصر:
أولًا: عنصر التقديم أو الفكرة المثيرة لاهتمام القارئ
ومن ذلك تقديمه لمقال بعنوان: "لعب"1 يقول:
"لعب مضحك لولا أن موضوعه التعليم!
ولعب مسلي لولا أن موضوعه الشباب!
لعب على كل حالٍ هذا التغيير الذي يصيب كليتين من كليات الجامعة، هما كلية الآداب والحقوق, بعد أن أصاب قانون الجامعة ولوائحها العامة. لعب على كل حال هذا النحو من التغيير والتبديل في برامج الدراسة ومناهجها, وفي نظم الدراسة وآمادها, دون أن يُتَاح لمنهجٍ أو برنامج أو نظام أمدٌ من المهلة ما يمكِّنُ من تجربته والحكم الصحيح عليه. ولكن ما الذي يمنع أن تُمَسَّ البرامج والمناهج والنظم والآماد، وقد غُيِّرَ القانون نفسه، وصدرت اللوائح العامة تصويرًا يلائم هذه المثل العليا، التي وضعتها الوزارة القائمة أمامها واتخذتها أصولًا للحكم! "2.
ويرتبط هذا العنصر ارتباطًا "عضويًّا" بعنوان المقال، الأمر الذي يؤكِّد ما ذهبنا إليه فيما يتعلق بالوحدة التي تربط بين أجزاء المقال، فالتقديم لا يمكن أن ينفصل عن عنوان المقال عند طه حسين بحالٍ من الأحوال، بل إن كليهما متمِّمٌ للآخر، ولعلَّ في ذلك ما يفسِّر إيثاره لاختيار كلمة واحدة يعنون بها المقال، وهي كلمة مشعَّة موحية بمضمونه، لا تنفصل عن مقدمته أو صلبه