".. نعم والآن نحب أن نعرف أين يكون الرضى وأين يكون السخط؟ ونحب أن نعرف أين يكون الأمل وأين يكون اليأس؟ ونحب أن نعرف آخر الأمر لمن تحكم مصر الآن؟

"فأما أين يكون الرضى عن الحياة المصرية الآن، فسؤال تستطيع أن تلقيه متى شئت؟ وحيث شئت؟ وعلى من شئت, وأنت واثق كل الثقة بأنك ستظفر بجواب سلبي واحد مهما تكن الظروف، ومهما تكن البيئات, ومهما يكن المسئولون، وهو أن هذا الرضى الذي تبحث عنه ليس في قلوب المصريين، ولا يمكن أن يكون في قلوب المصريين على اختلاف طبقاتهم وتباين منازلهم، وتفاوت حظوظهم من الثقافة والتعليم. لا نستثني من ذلك إلا الوزراء، وأشباه الوزراء، وأنصار الوزراء, وهم جماعة تستطيع أن تحصيهم, وأن تحقق في إحصائهم، حتى إذا فرغت من التحقيق والإحصاء الدقيق تستطيع أن تضيف إليهم مثلهم أو مثليهم هبة منك وتبرعًا، وأنت بعد هذا كله لن تبلغ الألف، ولن تتجاوز بهم المئات. وهؤلاء قد يخبرونك بأنهم راضون، وقد يقسمون لك جهد آبائهم أنهم راضون، ولكنك مع هذا تستطيع أن تشك وتستطيع أن ترتاب، بل تستطيع أن توقن أنهم ساخطون؛ ساخطون على خصومهم الذين ينكرون الحياة المصرية الحاضرة, ساخطون على مخالفيهم الذين لا يطمئنون إلى أساليب الحكم في هذه الأيام, ساخطون على أقلِّ تقدير على الشعب المصري, إذا لم يكونوا ساخطين على فنون الحكم في مصر"1.

وتبين هذه الخصيصة كذلك من مقال بعنوان: "غدًا.."2، حيث تشير الألفاظ الزمنية في لغة طه حسين، إلى تمثُّل عنصر الجدَّة الزمنية تمثلًا مستمرًّا في مقاله، فهو لا يستخدم هذه الألفاظ في عنوان المقال فحسب، ولكنه يستخدمها كذلك في صلب المقال، مثل قوله: "إنما هم الوزراء ورئيسهم الذي سافر أمس ليستشفي ويستريح"3, وقوله: "وقد برئ رئيس الوزراء بعض الشيء من مرضه، وما زالت التيمس تقول: إن وزارته الآن لا رأس لها! "4, وقوله في مقال بعنوان: "عاصفة"5 يتناول فيه "موقف القضاة المصريين في المحاكم المختلطة من زملائهم الأجانب, وموقف هؤلاء الزملاء منهم"6:

"ليست هذه - أي العاصفة- التي ثارت عنيفة يوم الأحد، فأفسدت الجوَّ، وجعلت التنفس فيه شاقًّا عسيرًا, فإن ثورة الريح مهما يبلغ بها العنف

طور بواسطة نورين ميديا © 2015