والتي تذهب إلى أن "أمر الحكم في مصر قائم على الرشوة وبيع الضمائر! "1, وعلى هذا الاستشهاد الوظيفي يقوم المقال الصحفي عند طه حسين في تأكيد فكرته من وراء المقال.
على أن هذه الخصيصة الإقناعية وما تقتضيه من شواهد وأمثلة مشتقة من الأحداث الجارية في الحاضر، ترتبط بخصيصة خامسة تجعل من مقال طه حسين مقالًا صحفيًّا من الطراز الأول، ونعني خصيصة الجدَّة الزمنية، أو مسايرة المقال للأحداث الجارية. ذلك أن المقال الرئيسي في صحافة طه حسين يعالج موضوعات الساعة و"مسألة اليوم" مهتمًّا بالأفكار التي تشغل أذهان الناس وقت ظهور الصحيفة، كما يبين من العنوان الثابت لمقاله الرئيسي: "حديث المساء". ذلك أن هذه الخصيصة ترتبط بانتظار القراء لرأي الصحيفة في كل حادث يعرض لهم، أو فكرة تُولَد بينهم، أو وضع من الأوضاع السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية يُرَادُ نقله إليهم.
وقد تعرَّفْنَا عند دراسة مضمون المقال الصحفي في أدب طه حسين على مواكبته للأحداث السياسية والاجتماعية والثقافية، بما في ذلك شئون حزبه وعلاقته بالأحزاب الأخرى، ولذلك نجد في مقاله الصحفي كثرة "المقدِّمَات الخبرية" والشواهد المشتقة من سياق الأحداث، الأمر الذي يشير إلى عنصر "الجدَّة الزمنية" إشارةً صريحة، فلم يَعُدْ المقال -كما كان في بيئة التكوين- يتناول فكرة مجرَّدة، ولكنه يتناول الحدث الواقعي الذي تبرزه الحياة في صورة خبرية، ليدلي برأيه القائم أساسًا على هذه الشواهد العملية في الحياة الواقعة. فحين يكتب عن العمال ومشكلاتهم، يتَّخِذُ من "أضرابهم" مناسبة لإثارة هذه المشكلات واقتراح ما يتصوَّره لعلاجها، فيكتب في "حديث المساء" بعنوان: "حصار"2، مقدمًا له بهذه المقدمة الخبرية:
"ما زال الخلاف متصلًا بين العمال وشركة السيارات، وما زالت مصالح الناس معطَّلة في غير عذر واضح ولا سبب مفهوم.. إلخ"3, ثم يدلف من هذه المقدمة إلى مناقشة المشكلة من جذورها، فهي ليست في مقاله منعزلة عن أحداث الحياة الواقعة، ولذلك يتَّخِذُ عنوان المقال عند طه حسين ألفاظًا زمنية توحي إلى هذه الخصيصة, ومن ذلك مقال بعنوان: " ... والآن"4, يقول فيه: