فيه، والذي يبين من اطلاعه على ما يكتب في الكتب والصحف المصرية والأجنبية، ليقف على أفكار هذه الصحف والدوريات، شأنه في تحرير المقال الرئيسي شأنه في تحرير المقال النقدي والتنويري والثقافي، حين يقف على أحدث الآراء في النقد، أو أحدث الكتب في المادَّة التي هي موضوع نقده أو تنويره. ومن ذلك في مقال طه حسين أنه لا يتناول موضوعات مجردة، ولكنه يشتق هذه الموضوعات من الواقع الأمر الذي يجعل شواهده المؤيدة لفكرته مستمَدَّة من هذا الواقع أساسًا, فهو حين يكتب عن "الرشوة"1 في "حديث المساء"، لا يتناولها كفكرة مجردة، وإنما يتناولها في إطار جدتها الزمنية، وما تمليه الأحداث والشواهد في الحياة الواقعة، فهو يقول:
"لا تغضب الوزراة، ولا يغضب الوزراء، ولا تغضب النيابة, ولا يغضب البرلمان، فلسنا نحن الذين يذكرون الرشون ويفصِّلون أمرها تفصيلًا، ولسنا نحن الذين يسيئون إلى سمعة مصر، ويغضُّون من قدرها, ويصورنها للناس في هذه الصورة المنكرة التي تمثِّلُ حكومتها قائمة على الرشوة، تشتري ضمائر الناس؛ فيبيعها الناس ضمائرهم بالمال!
"لسنا نحن الذين يقولون شيئًا من هذا، ويأتون شيئًا من هذا, بل نحن نكتب لنصف ما نجد من الألم اللاذع والحزن الممض، حين يقال عن مصر مثل هذا الكلام، وحين تصور مصر للناس في مثل هذه الصورة"2.
ثم ينتقل بعد هذا "التقديم" المثير لاهتمام القارئ إلى سرد "الشواهد" التي يتخذ منها موضوع مقاله، فيقول:
"صحيفة إنجليزية من الصحف الكبرى، قد عُرِفَت بحبها للوزراة القائمة، وإيثارها إياها، لا نقول بالمودة والعطف، بل نقول بالغلوِّ في النصر والتأييد، لا تتحرَّج من أن تعلن أن رئيس الوزراء أحسَّ ضعف وزارته قبل مرضه, ثم أحسَّ تهالكها في هذا الضعف بعد أن أتاح الله له شيئًا من الشفاء، فأراد أن تسترد وزارته شيئًا من القوة، فاصطنع في سبيل ذلك الرشوة, وتوسَّل إلى ذلك بشراء الضمائر! يشتريها من الموظفين بالعلاوات والترقيات! ويشتريها من الزراع بهذه الأموال التي زعم أنه ينفقها لتخفيف ثقل الأزمة على الفلاحين"3.
ويستشهد في هذا المقال بأقوال صحيفتين أجنبيتين هما "الديلي تلغراف"4 و"التيمس"5 في تأييد الظاهرة التي يناقشها مقاله