مقال بعنوان: "نظام"1. قوله: "كره الحكماء في كل وقت، وفي كل مكان، وفي كل جيل, الغلوَّ والإسراف، وأحبوا دائمًا أن يكون القصد والاعتدال قوام ما يأتي الناس من عمل, وما ينهجون من نهج في الحياة, ويُخَيَّلُ إلينا أنَّ علماء الدين هم أحق الناس برعاية القصد, والحرص على الاعتدال, وهم أحق الناس بتجنُّب الإفراط، وتجنُّبِ التفريط معًا. فإذا كان الإسراف عيبًا فالتقصير عيب آخر, وعلماء الدين أجدر الناس أن يتجنبوا كل عيب, وأن يتجنبوا بنوعٍ خاصٍّ عيب الإفراط وعيب التفريط؛ لأنهما مصدر كثير من الرذائل, وسبيل كثير من الآثام. وقد قصَّر علماء الدين في ذات الدين تقصيرًا شديدًا أخذهم به الناس، ولاموهم عليه, فوقفوا صامتين جامدين من أمور ما كان ينبغي لهم منها الصمت ولا الجمود, وتركوا غيرهم من الذين لم يتخذوا حماية الدين صناعة, ولا الذَّوْدَ عن الدين مهنة، ولم يتقاضَوْا على ذلك من الدولة أجرًا, ولم ينالوا في ذلك من الدولة والناس ضروب التشريف والتعظيم، تركوا غيرهم من هؤلاء الناس يعملون ويقولون ويدفعون ويذودون، ومهما يَقُلْ القائلون, فإن بلاء غير الأزهريين في حماية الدين والذود عنه أعظم ألف مرة ومرة في هذه الأعوام الأخيرة من بلاء الأزهريين2. ثم يستشهد من الحياة الواقعة بموقف الأزهريين من التبشير: "فقد صمت شيوخ الأزهر فأطالوا الصمت, وهدأ شيوخ الأزهر فأطالوا الهدوء، واضطربت نفوس المسلمين والمصريين من حولهم أشد اضطراب ونفوسهم هادئة"3 و"ألحَّ الناس في كل الصحف المصرية الإسلامية على الشيوخ في أن يغضبوا للإسلام, ويظهروا شيئًا من الاستعداد للذود عنه والقيام عليه، وظل الشيوخ هادئين حتى نهض غيرهم فعمل. ثم أذن الله للشيوخ فاجتمعوا وقرروا، ثم قالوا ومضوا يقولون، وعملوا ومضوا يعملون، ولم نتردَّدْ نحن حين أخذ الشيوخ في القول والعمل في أن نعرف لهم ذلك، ونثني عليه, ونشجيعهم على المضي فيه, وندعو الناس إلى أن يثقوا بهم ويطمئنوا إليهم، ويغتبطوا بأنهم قد أخذوا يقومون بما هيئوا للقيام به"4 إلخ.

على أنَّ طه حسين في سبيل أداء مهمة الإقناع في مقاله، لا يتوسَّل بربط أحداث الماضي بالحاضر فحسب، ولكنه يشتق أمثلة مقاله في معظمها من الأحداث الجارية في الحاضر، ولهذه الشواهد حيِّزٌ كبير في ماله، وكثيرًا ما يكون هذا المقال بمثابة تعليق على الأخبار والأحداث الجارية، مع الاستشهاد التقارير الإخبارية، وهو لذلك يكشف عن إلمام كاتبه بالموضوع الذي يكتب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015