"سيستقيل صدقي باشا أو سيقال، فينحلّ منْ حوله كل شيء، ويتفرَّق من حوله كل إنسان، وتعود الأمور بعده كما كانت قبله. أما المصلحون حقًّا فقد اعتزلوا الحكم، بل فارقوا الحياة وبقي إصلاحهم! وقوي بعدهم، واتسع سلطانهم؛ لأنهم لم يسلكوا إلى إصلاحهم هذه الطريق التي سلكها رئيس الوزراء, ولم يؤثروا أنفسهم بهذا الخير الذي آثر به رئيس الوزراء نفسه1".. إلى أن يقول في نهاية المقال:

"أفيؤثر الله الرحمة واللين، والدعوة إلى الخير بالتي هي أحسن, ويأبى الناس إلّا أن يكرهوا الأمم والشعوب على ما لا تريد؟ "2.

ويستشهد طه حسين بحوادث التاريخ الإسلامي في مقاله الصحفي على هذا النحو، فهو يتمثَّل الحديث التاريخي المشابه للحدث الجاري, ويقرن بينهما لتحقيق الإقناع المنشود، كما في مقاله عن "وداع"3، المديرين الراحلين، حين يذهب إلى أن أمرهم "لا يعدو قصة زيارة كل إقليم يودِّع مديره مستريحًا لهذا الوداع, ويستقبل مديره الجديد خائفًا من هذا الاستقبال"4. ومن ذلك يبين أنه يستشهد بالحدث التاريخي في مجال تناول الحدث الواقعي الذي يُسْتَشْهَدُ به في المقال، وهو هذا الإجراء الذي اتخذته حكومة صدقي بالنسبة لمديري الأقاليم، ونقلهم من أقاليمهم. أما الحدث التاريخي فهو واقعة زياد "لما ضبط العراق لمعاوية، وأقرَّ فيه النظام الجديد بالقهر والعنف، كتب إلى الخليفة يسأله أن يضمَّ إليه ولاية الحجاز، وهَمَّ الخليفة أن يفعل، وجزع أهل الحجاز حين انتهى إليهم هذا النبأ، فلجأوا إلى عبد الله بن عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما، يسألونه أن يدعو على زياد فلم يدع عبد الله على أحد، ولكن استقبل القبلة فيما يُقَال، وسأل الله العافية، والسلامة والمغفرة للمسلمين, وكفى الله أهل الحجاز زيادًا, وأراح الله أهل العراق من زياد، لأنه نقل زيادًا إلى دارٍ أخرى، لا ولاية فيها إلّا الله، ولا سلطان فيها إلّا لله، وليس فيها خوف من والٍ، ولا إشفاق من أمير"5.

وبعد أن يقرِنَ بين الحدثين، يؤكِّدُ للقراء أنه "بعيد كلَّ البعد عن أن يفكِّرَ في أنَّ بين ولاتنا في الأقاليم هؤلاء الذين نسميهم المديرين، وبين زياد شبهًا ما..! فقد كانت في زياد خصال من الشرِّ لم يبلغوها مع الشرور ... ! "6.

وهكذا نجد في مقال طه حسين الاستشهاد بأحداث الماضي البعيد والقريب, وربطها بأحداث الحاضر لتأكيد فكرة يريدها من وراء مقاله، ومن ذلك في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015