أن طه حسين لم يكتب في صحيفة من الصحف الحزبية إلّا وهو على درجة من الوفاق مع سياستها وسياسة حزبها، كما وجدنا في مقالاته في صحيفة "السياسة" اليومية، حين كان على وفاق مع "الأحرار الدستوريين", وكما وجدنا في مقالاته في صحيفة "كوكب الشرق" حين كان على وفاق مع "حزب الوفد"، وهي علاقة مبادئ وآراء وعقائد ومواقف يؤيدها الحزب وتدافع عنها الصحيفة.

ولعل وضوح الرؤيا لمفهوم المقال الرئيسي من ناحية الحذر والاحتياط في إبداء الرأي هو الذي حدا بطه حسين إلى أن يُذَيِّلَ المقال بتوقيعه لتحديد الحدِّ الفاصل بين رأيه ورأي الحزب حين يصطدم الرأيان، لكيلا يعرِّض صحيفته للخطر، وهو بذلك يحسم المسألة التي تثار دائمًا حول "ضمير الكاتب" من خلال التوفيق بين الدوائر الثلاث التي تحكم المقال الرئيسي, ونعني: سياسة الجريدة، وصياغة المقال، واهتمام القراء. ومن أجل ذلك وجدناه يفكِّر عندما يكتب المقال مرتين، الأولى بوصفه كاتب المقال الرئيسي, والأخرى بوصف أنه يعبِّر عن رأي الصحيفة التي يكتب لها وباسمها هذه المادة، ويقول الدكتور طه حسين1 في توضيح ذلك: "كان هيكل لي رئيسًا, أو كان لي زميلًا, فلم يعرف قط للرياسة معنى, وإنما كان صديقًا للذين يعملون معه سواء أكان رئيسًا أم مرءوسًا, كنا نلتقي مساء كل يوم, فنتحدث ويجادل بعضنا بعضًا في تحرير صحيفة الغد, ثم نقتسم ما يكتب في هذه الصحيفة من الفصول, ويخلو كلٌّ منا إلى فصله، حتى إذا أتمه التقينا؛ فقرئ ما كتبه كل واحد منا وأقررناه جميعًا, وربما أصلحنا في هذا الفصل أو ذاك, ثم تصدر جريدة السياسة بعد غد. يرأس تحريرها "هيكل", ويشترك في تحريرها مع أصدقائه وزملائه"2.

وأغلب الظنّ أنه كان يفعل ذلك في "كوكب الشرق" من خلال صلته بزعماء حزب الوفد، كما سبق القول في ذلك، وهو الأمر الذي يتيح لمقاله الرئيسي أن يوفِّق بين الدوائر الثلاث المشار إليها.

أما الخصيصة الثالثة التي يشترط توافرها في المقال الرئيسي وهي: خصيصة التبسط في الحديث, والإيناس في السرد3, فهي من لوازم كتابات طه حسين، كما سبق أن تعرَّفْنَا عليها في أسلوبه الصحفي، فهو لا يستعلي على قرائه، وإنما يرتبط القارئ بمقال طه حسين بإحساس الألفة والصداقة, ولذلك يعتمد طه حسين في مقاله على الملاحظة، وضمير المخاطب، ويشعر القارئ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015