اشتراكه في تحريرها1. فيكتب بعنوان ثابت هو "حديث المساء"2، وهو العنوان الذي يشير مع غيره، إلى صفة كاتبه الذي يمتاز "بالإيناس في إجراء الحديث". ويحتلُّ عمودين من الصفحة السادسة في معظم "الأحوال", بعد أن جعل من صفحة الافتتاحيات في الصحيفة نموذجًا واقعيًّا لصحافته، يظهر فيه أثر النموذج الأوربي الذي يضمُّ إلى جانب المقال الرئيسي في هذه الصفحة عدة أعمدة تتألف من تعليقات سياسية واقتصادية واجتماعية، إلى جانب تعليق خفيف يشترك في تحريرها مع صفوة من كُتَّاب صحيفته.
ومن ذلك يبين أن مقال طه حسين في صفحة الافتتاحيات، الذي كان يحتل يمينها بصفة مستمرة، يتسم بسمات خاصة يُعْرَف بها، فهو ينشر تحت عنوان ثابت، وفي مكان ثابت، ولكنه ليس غفلًا من التوقيع، على أن هذا الأمر الأخير، وإن كان يخرجه من دائرة المقال الافتتاحي إلّا أنه يسمه بسمات "المقال الرئيسي" لتكون التسمية أدق. وهو مع ذلك يتميز بخصائص فنية يتميز بها هذا المقال في الصحافة المعاصرة، كما يتميز بها الكاتب نفسه، فهذا المقال الرئيسي الموقَّع -عند طه حسين- يحمل قيمة مزدوجة من حيث الرأي, فهو يطرح رأي كاتبه المؤثر، ومن ناحية ثانية، يطرح رأيًا تسمح به سياسة الصحيفة, بل قد يختلف معها. وفي تاريخ صحافتنا المصرية أمثلة كثيرة لهذا المقال عند طه حسين, فيما كان ينشره الكُتَّاب من المدرسة الحديثة، مثل: العقاد وهيكل وعزمي وعبد القادر حمزة وغيرهم. "وكان المقال الرئيسي يبيع الصحيفة ويسبب رواجها"3.
فهذا المقال الرئيسي عند طه حسين شأنه عند كُتَّاب المدرسة الحديثة يتميِّز بمقدرة الكاتب على تقصي مجريات الأحداث، وبكونه ثقة أو مرجعًا رفيع المستوى في الميدان الذي يكتب فيه، وتميزه بالخبرة الصحفية التي تبدأ من مرحلة التكوين في مدرسة الجريدة, إلى ما يتمتع به الكاتب من بلاغة في الأسلوب الصحفي، أسلوب الاتصال بالجماهير. وهي أمور تمكِّنُ طه حسين من تميز مقاله الصحفي بين مقالات كُتَّاب المدرسة الصحفية الحديثة، على أن هذه الأمور لا تتعارض مع خصيصة الثبات على سياسة واحدة, ونعني سياسة الصحيفة، التي "لا يصح أن تكون مذبذبة بين سياسات كثيرة"4، ذلك