العام المستنير كصحيفة التيمس الإنجليزية والنيويورك تايمز الأمريكية والموند الفرنسية وغيرها1. بل إن مقالات هذه الصحف قد تتجاوز في أهميتها وتأثيرها حدود البلاد التي تنشر فيها الصحيفة إلى بلاد أخرى2.
ويرتبط المقال الافتتاحي -شأنه شأن فنون المقال- عند طه حسين، بقيادة الفكر التي تتنوع في العصر الحديث بين أمور مختلفة3؛ لأن ظروف الحياة نفسها قد وزَّعَتها بين هذه الأمور، فلم تستأثر الفلسفة، ولم يستأثر الشعر، ولم تسأثر السياسة، ولم يستأثر الدين بقيادة الفكر في فصل من فصول هذه القصص التي يكونها العصر الحديث, وإنما اشتركت هذه الأمور كلها في قيادة الفكر4, وأخذ كلٌّ منها بنصيب من توجيه العقل الإنساني والتأثير في الحياة والشعوب: "وآية ذلك أنك تنظر في أيِّ وقت من أوقات هذا العصر الحديث فإذا أنت أمام فلسفة تجاهد لتسيطر على الحياة، وسياسة تجاهد لتصوغ الحياة كما تحب، ودين يناضل ليحتفظ بمكانة سلطانه، وأدب يَجِدُّ ليكون له الفوق والفوز, ولكل واحد من هذه الأشياء زعماؤه وممثلوه والداعون إليه والذائدون عنه. حتى في الأوقات التي يُخَيّل إليك فيها أن أمرًا من الأمور قد ظهر تفوقه واستأثر بالفوز والغلبة, فقد يُخَيِّلُ إليك أن عصر الثورة الفرنسية مثلًا كان عصر سياسة ليس غير، ولكن فكِّر قليلًا وأتقن درس هذا العصر، تجد عصر سياسة وعصر حرب، وعصر علم، وعصر فلسفة، وعصر تشريع، بل عصر دين أيضًا، وتجد كل هذه الأمور تزدحم وتتنافس وتستبق إلى قيادة الفكر تريد أن تستأثر بها وتيسطر عليها"5.
ولا شكَّ أن توزع قيادة الفكر، وتنوع الموضوعات يؤدي خدمة جليلة للصحافة الحديثة واسعة الانتشار، والتي يختلف قراؤها اختلافًا كبيرًا في الأذواق والأمزجة، فهناك مقالات حول الرياضة وأخرى حول الفن, بالإضافة إلى السياسة والاقتصاد والشئون العامة6, على أن الصحافة لم تفد فحسب من هذا التوزع في قيادة الفكر, ولكنها كانت سببًا في توزع هذه القيادة، ذلك أن الكاتب أو العالم أو الفيلسوف لم يكن يظفر بانتشار كتبه في العصور الأولى، إلّا إذا ظفر بشيء من الشهرة وبعد الصيت يرغب الناس في آثاره، ولم يكن الظفر بهذه الشهرة سهلًا، ولا يسيرًا7. أما الآن فقد يسَّرت المطبعة على كل ذي رأي أن يذيع رأيه ويناضل عنه، وعلى كل باحث