أول سؤال يبدر إلى أذهاننا عندما يأتينا شخص ما بأي معلومات تثير اهتمامنا هو "ما رأيك في هذا الأمر"؟ 1. ولذلك كانت الصحف في أيامها الأولى تنشر الأنباء على حدة والآراء على حدة، فتصدر إحداها في رسائل الأنباء، والأخرى في كراسات. وكان "دانيال ديفو" أول من وحَّدَ هذين التيارين الصحفيين في مطبوع واحد أسماه "ذي ريفيو" أصدره في لندن عام 1704 2.
وينسب إلى ديفو أولية كتابة ما كان يُسَمَّى بالخطاب الافتتاحي Letter Introductory, وهو أول مقال حول موضوع سياسي أو اجتماعي هامّ تعليقًا على الحوادث الجارية يكتب بأسلوب شائق جذاب, ويظهر عادة في صدر الصحيفة وكأنه خطاب رقيق لطيف من الكاتب إلى القارئ فسمي بالخطاب الافتتاحي, وكان نواة للمقال الافتتاحي الذي نعرفه في الصحافة الحديثة3.
وقد كان المقال الافتتاحي في القرن الماضي يشغل الصفحة الأولى وبعض أجزاء من الصفحات الأخرى4, ولم يتزحزح عن مكانه الممتاز في الصفحة الأولى إلّا في وقت قريب -أي منذ انحازت الصحافة الحديثة في الفترة الأخيرة إلى الخبَر، وقلًَّت عنايتها نوعًا ما بالمقال5, وليس أدلَّ على أهمية المقال الافتتاحي منذ نشأة الصحافة من أن كُتَّاب هذا المقال كانوا ولا يزالون -نوابغ الصحافة في كل أمة من الأمم، في كل فترة من فترات التاريخ6. ففي الصحافة المصرية اشتُهِرَ من كُتَّاب المقال: محمد عبد، أديب إسحاق، وعبد الله نديم، والزعيم مصطفى كامل، وأحمد لطفي السيد، وعبد القادر حمزة، وأمين الرافعي، وإبراهيم المازني، وحسين هيكل، والعقاد، وطه حسين، وغيرهم من أساطين الفكر والأدب والصحافة7. وفي الصحافة الإنجليزية لمعت أسماء كُتَّاب المقال من أمثال ديفو وأديسون وستيل، وجونسون، ووييلكيز وديكنز ولامب وبرنارد شو وغيرهم8. وكذلك كان كُتَّاب المقال من الأمريكيين من ألمع رجال الفكر والسياسة والأدب, ومنهم صمويل آدمز, وجون أدامز, وجوزيف وران, وصمويل كوبر, ورالف أمرسون, ووالتر لبمان, وغيرهم9.
وقد كان المقال الافتتاحي ينبض بمهمة القيادة والزعامة, وكان وسيلة التوجيه والإرشاد والتنشئة الاجتماعية، كما كان الوسيلة المؤثِّرة لتكوين الرأي العام. ولا يزال المقال الافتتاحي يقوم بدور رئيسي في الصحافة الرفيعة أو صحافة الرأي.