أن ينشر ثمرات بحثه بين الناس. ولم تكد تظهر المطبعة، وتأخذ فيما أخذت فيه من النشر والإذاعة، كما يقول طه حسين، حتى "ظهرت آثار ذلك قوية في حياة العصر الجديد، فكثرت الآراء واختلفت، أو قل: ظهرت كثرة الآراء واختلافها، واستطاعت أن تجاهد وتختصر وتتنافى في قوة وسرعة لم يكن للناس بهما عهد من قبل"1. ذلك أن المطبعة استتبعت شيئًا آخر غير الكتب والرسائل، استتبعت الصحف اليومية والدورية، وقد قوي ظهور "الصحف السياسية والعلمية والأدبية توزع قيادة الفكر، وانتهى به إلى حَدًّ غريب، فقد كان العلماء والكُتَّاب والفلاسفة ينشئون كتبهم وينشرونها، فيستغرق ذلك منهم الأشهر والأعوام، ويستتبع ذلك بطئًا فيما يكون بينهم من النزاع والنضال والاستباق إلى قيادة الفكر. أما بعد أن ظهرت الصحف فالنزاع يومي، أو أسبوعي، أو شهري، هو عنيف, وهو سريع، وهو متصل، وهو مؤثر في توزيع قيادة الفكر بمقدار ما يشتد ويسرع ويستمر"2.
وينعكس أثر توزع قيادة الفكر في العصر الحديث، والذي جاء نتيجة للصحافة، كما تَقَدَّمَ، على ما تكتبه الصحف من تحليلٍ للأخبار وما وراءها, وعَمَّا يحمل كل خبر من مغزى، حتى يتمكَّن الأفراد والجماعات من حلِّ المشاكل التي تعرض في الحياة، سواء كانت مشكلات نفسية أم اقتصادية أم سياسية أم اجتماعية3. وفي ذلك ما يؤكد مسئولية كاتب المقال الافتتاحي تجاه الرأي العام، فهو يدرك تمام الإدراك أن صياغته للمقال ليست صياغة أدبية، ولا هي صياغة غير ملتزمة، وإنما هي صياغة ترتبط بسياسة الجريدة من ناحية, واهتمام القراء وميولهم من ناحية أخرى. لهذا نجد أن افتتاحيات الصحف الكبرى تعكس توزيع قيادة الفكر فيما تحتوي عليه من تعليق سياسي، وآخر اقتصادي، وثالث اجتماعي، ولا تهمل التعليق الطريف أو الخفيف الذي يقول بالتسلية والنقد والسخرية في وقت معًا4.