...
الفصل السابع: فن المقال الرئيسي الافتتاحي
نتحدث في هذا الباب عن أربعة فنون تحريرية جديدة في المقال الصحفي عند طه حسين هي: المقال الرئيسي، والمقال النزالي، والمقال الكاريكاتيري, ثم المقال التحليلي والتقويم الصحفي في ضوء الفهم الوظيفي لفنِّ المقال الصحفي في أدب طه حسين، على النحو المتقدِّم، ذلك أنه يهدف أساسًا إلى التعبير عن أمور اجتماعية وأفكار عملية، بغية نقدها أو تحبيذها؛ فالوظيفة الاجتماعية الفكرية في مقال طه حسين تتقدَّم النواحي الفنية الجمالية، وتوظِّفُها من أجل الارتباط بحركة الأحداث في المجتمع.
وتأسيسًا على هذا الفهم، فإن طه حسين في الصحافة المصرية يشبه سقراط الذي لو كان حيًّا في زماننا لكان أنسب عمل يشتغل به هو أن يكون كاتب مقال صحفي ينشره في جريدة يومية ويوقعه بإمضائه, كما يشبه الجاحظ الذي يذهب علماء الفن الصحفي إلى أنه جدير بأن يكون أول صحفي ممتاز لو أنه عاش في القرن الذي نعيش فيه. ذلك أن ثلاثتهم رجال شديدوا الانغماس في المجتمع، يلتقطون بعض الأمور التي تشغل الناس وتحرِّك تفكيرهم، ويتوسَّلون بأسلوب الحوار الكاشف الذي يعتمد على تقريب المنطق والفكرة, ولا يتعمَّد الإغراب والتعقيد. وهذا هو اسلوب المقال الصحفي الذي يبدأ من المعايشة، ذلك أن التحرير الصحفي لا يمكن أن ينعزل بحالٍ عن أحداث المجتمع وسياق حركته، لأن الارتباط بالحياة الواقعة فيه هو الذي يمسه بالحيوية والأهمية التي تصبغ عليه الصبغة الصحفية.
وفي ضوء هذه الرؤيا نتناول فنّ المقال الصحفي في أدب طه حسين، ونبدأ بدراسة فن المقال الرئيسي في صحافته.