وإذا كانت الطريقة الجاحظية في الكتابة بخصائصها المعروفة من حيث الإسهاب والاستطراد واتساع العبارة وجذب القارئ وسحبه بلطف ومهارة، والقدرة على أن تؤدي أضخم المعاني بأيسر الألفاظ, والعناية بالجرس الموسيقي للفظ وموسيقى العبارة، أنسب الخصائص في تحرير "اليوميات الصحفية"1، فإن هذه الطريقة من أهم خصائص الأسلوب التحريري في مقال طه حسين بصفة عامة, وفي فن اليوميات بصفة خاصة، وقد تعرَّفْنَا على نمط مقالي خاصّ يتمثَّل الرسائل الجاحظية في صحافة طه حسين، على أن هذه الخصائص في يومياته ترتبط بنقل الأدب العربي من "أرستقراطيته في العصور الوسطى إلى ديمقراطيته عن طريق الصحافة بالمعنى الصحيح لهذه الكلمة"2. كما ترتبط بتفهُّم النفس البشرية من حيث هي، وتعكس في الوقت ذاته صورة للمجتمع الذي أحاط بالكاتب الصحفي في فترة من فترات الحياة. الأمر الذي يبين من تنوّع موضوعاتها في تصوير الحياة الإنسانية بخيرها وشرها، ومخاطبة العقل البشري والوجدان الإنساني، إلى جانب الرؤيا الوظيفية الواضحة التي تجعل محور اليوميات الصحفية دائمًا الانتقال "من لغو الصيف إلى جدِّ الشتاء", فتعالج السياسة والاقتصاد والشئون الاجتماعية.
وما أقرب أسلوب اليوميات الصحفية عند طه حسين من أسلوب مقالات مونتاني الذاتية الأولى التي ظهرت مع عصر النهضة الأوربية، لتميزه بالأصالة والتأثُّر بأعمال الكُتَّاب العربي القدامى وخاصة الجاحظ، في موسيقاه الخاصة، واعتماده على الترادف والتكرار وتمسُّكه باستخدام المفعول المطلق وبالحال، إلى جانب سهولة أسلوبه في التعبير والواقعية في التصوير "والإيناس في إجراء الحديث، حتى ليشعر القارئ لمقالات طه حسين أنه إنما يجلس إلى صديق من أصدقائه، ويستمع إلى بعض إخوانه يدور معه حيث يدور، ويدخل معه في شجون من الحديث لا يحبُّ أن يصل إلى نهايتها", وهكذا نجد أن ثمة علاقة وثيقة بين فنون المقال منذ نشأتها الأدبية الأولى حتى تطوراتها الأخيرة في مقالات "اليوميات الصحفية".