في مقاله، ضيافة لَبِقَة، تقدِّمُ إلى ضيوفها ما يشتهون فقط، ذلك أن طه حسين -كما يصف العقاد ثقافته اللاتينية1- يبدو في فن اليوميات متمتعًا بالأناقة الباريسية، وبالمهارة في تقديم معارفه إلى جماعة من جماعات الأندية، ذلك أن الأناقة واللباقة في اليوميات أداتان وظيفيتان تهدفان إلى التعرُّف على ما يحدث وما يقع من وراء الأستار2، وتجاوز الصور الخلابة التي يعطيها الأدباء لحياتهم فيما ينشئون3، ذلك أن السمة الفنية الخالصة هي أظهر ما يتصف به فنُّ اليوميات الصحفية المتمثِّل للثقافة الفرنسية عند طه حسين4.
وتبين هذه السمة الفنية من الاستخدام الوظيفي للأسلوب القصصي وأسلوب الحوار في صياغة اليوميات الصحفية، وتبين كذلك من تقسيم هذه اليوميات إلى فقرات، كما تُقَسَّمُ القصة إلى فصول، بحيث لا تبدو أمام القارئ كأنها كتلة مصبوبة، أو مادة تملأ فراغًا في الصحيفة، ومن أجل ذلك وجدناه يتوسَّل بالطرائف الصحفية توسُّلًا وظيفيًّا، يعتمد الاعتماد كله على الواقع الملموس، شأنه في ذلك شأن الجاحظ الذي حفل أدبه بمادة النوادر والمُلَح. ولكنه يوظِّف هذه الطرائف وتلك النوادر لتزويد القارئ بما يُسَمَّى "الصور الخلفية" للحوادث، التي تُيَسِّرُ شرح الأسباب والنتائج والحقائق وما إلى ذلك.
ويتمثَّل في تحرير يومياته وظيفة الإمتاع والمؤانسة، برواية القريب والطريف والعجيب من القصص الواقعية والخيالية على السواء. وقد ورثت الصحافة هذه المهمة الخطيرة التي يرى "ماكدوجال Mac عز وجلougal" أنها تخفِّفُ العبء عن النفوس والعقول، وتجعل الحياة محتملةً رغم ما فيها من متاعب, وهكذا تصبح هذه الوظيفة ذات أثر نفسي حميد. ذلك أن الإيقاع الإعلامي يسير على أساس فترات من الأخبار تمثِّلُ التوتر، يعقبها فترات من الترفيه تمثِّلُ الهدوء والاسترخاء، ولذلك وجدنا طه حسين يذهب إلى أن المادة المقالية التي تلائم فصل الصيف لا تستقيم مع الأحاديث عن الشعر القديم إلى شيء من الراحة والهدوء، والقدرة على التفكير المطمئن, وهذا الفراغ الفنّي الذي يتيح للذوق أن يستأنس ويتمهَّل ويسبغ الأشياء في غير جهد ولا مشقة, ولا تعرض لهذا العناء السريع الذي نتعرض له حين يسلط الجو علينا هذا الحر الشديد"5.