وتأسيسًا على هذا الفهم، يذهب طه حسين إلى أن الكُتَّاب إذا لم يكن لهم "بُدٌّ من الكتابة فيجب أن يرفقوا بقرائهم إذا كتبوا، وألا يتحدَّثوا إليهم من الموضوعات فيما يكلفهم جهدًا وشططًا. والكاتب مدين لقرائه بهذا الرفق، أو قُلْ: إن الكاتب مدين لنفسه بأن يرفق بقرائه إن كان حريصًا حقًّا على أن يقرأوه، راغبًا حقًّا في أن يتحدث إلى عقولهم اليقظة المفكِّرة، لا في أن يكون سبيلهم إلى الضجر والسأم أو إلى الفتور والنوم"1، ويذهب إلى أن الكُتَّاب الغربيين يقدرون هذا الطور من حياتهم وحياة قرائهم قدره، فهم "يرفقون بأنفسهم وبالقرَّاء إذا أقبل الصيف، وهم يتخفَّفُون من الموضوعات الضخمة الفخمة والمسائل المشكلة المعضلة التي يعرضون لها في غير الصيف من فصول السنة، وهم لا يعرضون من الأحاديث إلّا للسهل اليسير الذي لا يكلف المتحدث ولا السامع مشقَّة, ولا يكلفه جهد التروية والتفكير، وهم ينتهون بفضل هذا الرفق بأنفسهم وبالقراء إلى إنشاء أدب خاصٍّ يتناول موضوعات قَلَّمَا تُتَنَاول في غير فصل الصيف, ويتناولها في صور قريبة مواتية قَلَّمَا تظهر في الشتاء أو الربيع, وهذا الأدب الخاص الذي تمتلئ به الصحف الغربية في هذا الفصل من فصول السنة, يمكن أن نسميه أدب الصيف أو أدب الأجازة، أو أدب الراحة والاستجمام"2.
ومن ذلك يبين تمثُّل مقال طه حسين لوظيفة الإمتاع والمؤانسة كما تتمثَّلها الصحافة الأوربية، في تبديد كل آثار الضغط الإعلامي والتوتر العصبي, ولذلك يذهب طه حسين إلى أن هذه الوظيفة خليقة أن تلهم "الكاتب المجيد فصولًا خصبة قيّمة تثير في نفس القارئ كثيرًا من العواطف, وتدفعه إلى كثير من التفكير"3, وأن الموضوعات التي تثيرها -هذه الوظيفة- لا يمكن أن "يستنفد ما يقال عنها أو يكتب فيها، ودون أن يكرر الكُتَّاب ما يقولون أو يعيدوا ما يكتبون"4 ذلك أن "كلّ يوم يقبل إنما يحمل إلى الناس ذكريات لما مضى وآثارًا لما انقضى، فيها الرضى وفيها السخط، فيها اللذة وفيها الألم, ويحمل إليهم آمالًا فيما من الدهر كما يحمل إليهم خوفًا وإشفاقًا"5 ويذكر من ذلك أمر هذه الوظيفة فيما ينتجه الكُتَّاب الفرنسيون من فنونٍ في "تصوير هذا الفصل من الأدب الصيفي تلقاها في صحفهم على اختلافها،