بأحاديث الناس وشغل الصحف وعناية رجال الأمن. كنا نتحدث عن ذلك الخاتم، "الذي اضطرب له رجال الأمن, وعطلت له دار من دار التجارة، واتصل حوله تحقيق طويل دقيق, ولم تبح صحيفة مصرية عربية أو غير عربية لنفسها أن تعرض عنه أو تطوي أخباره عن قرائها، ثم أصبح الناس يوم العيد فإذا الصحف تنبئهم بأن سيدةً التقطته أمام مدرسة من المدارس, فظنته جوهرة من الزجاج ولم تعلم أنه حجر نفيس, وأن مدينة القاهرة مضطربة له أشد الاضطراب، وأن قيمته تربى على ألف من الجنيهات"1.
ثم ينتقل طه حسين إلى الحديث عن "خاتمه" الذي فُقِدَ, وذكرياته معه في التوقيع به على المستندات وغيرها، حديثًا يقرب المسافة بين يومياته، وبين فن المعالم الصحفية Features الذي يتوسَّل به في عرض هذه اليوميات، من حيث الاعتماد على الجانب الإنساني، بحيث لا نجد خطًّا فاصلًا تمامًا بين كلٍّ من فنون الصحافة الحديثة والفن الآخر، لتداخلها في بعضها البض كتداخل الألوان في قوس قزح.
ويبين هذا الأثر من عرض اليوميات في أسلوب قريب من أسلوب التناول القصصي، الذي يتوخَّى التأثير في نفس القارئ، كما يبين من استخدام الأساليب خفيفة الروح بما فيها من تشبيهات لطيفة وعبارات جذابة، وألوان ساخرة، وأساليب تتدفَّق بالحياة والحركة, يقول طه حسين في "أحاديث الأسبوع":
"وكنت أقول لأصدقدائي وهم يبتسمون ويضحكون ويفلسفون: على رسْلِكُم أيها السادة، فلو سألتم ذلك الخاتم أو هذا الدبوس عَمَّا يعرفان من التاريخ, ولو قد أراد الخاتم وأراد الدبوس أن يَقُصَّا عليكم بعض ما يعرفان لما ابتسمتم ولا ضحكتم ولا أغرقتم في الفلسفة هذا الإغراق. فليست قيمة الخاتم والدبوس في هذه الجنيهات التي تربى على الألف أو تبلغ المئات فحسب، ولكن قيمتها فيما يحملان من ذكرى, وما يصوران من حياة, وفي هذه الصلة التي تصل بينهما وبين القلوب والنفوس.
"قال صديق ماكر: فحدِّثْنَا إذن عن خاتمك الذي فقدته؛ فقد يظهر أنك فقدت خاتمًا أيضًا, وأن أمره قد ارتفع إلى الشرطة ثم هبط إلى الصحف ثم ذاع بين الناس.
قلت: وإنك لتتحدث عن هذا الخاتم هازلًا كأنما تغضُّ من أمره وتزدريه، فهل تعلم أني حزنت عليه حزنًا شديدًا؟ وهل تعلم أنه ليس أقل خطرًا ولعله0