تجد صورة من صوره فأنت منصف حين تلوم الأدباء على القصور وتصيبهم بالفتور"1.
أما الظاهرة الثانية في "أحاديث الأسبوع" فهي تتعلق "بحديث صحيفة اضطرها حكم القضاء إلى الصمت"2 و"تحدَّث الأدباء عن هذا الحدث الأدبي السياسي في السرِّ أو في الجهر، في النوم أو في اليقظة، في الحقيقة أو في الخيال, وتساءلوا ما باله لم ينطق الأدباء بشيء، فكان الجواب أن مصر الآن نائمة تستريح"3.
والظاهرة الثالثة في هذه اليوميات -تتعلق بتكريم العقاد4. وهكذا يتناول طه حسين ظواهر لا تنفصل عن سياق حركة الأحداث والحياة بوجه عام، ويتلمَّس من هذه الظواهر ما يرتبط باهتمامات القراء وقت كتابة اليوميات وإذاعتها في الصحف أو المجلات.
بل إن هذا الفن المقالي عند طه حسين يتناول من ظواهر الحياة المصرية ما يرتبط بحركة الأحداث راكدة أو متحركة، أو "من لَغْوِ الصيف إلى جَدِّ الشتاء"، وفي سخريته الجادة، فالصيف في يومياته "هو الفصل الذي يحسن فيه اللغو، وإن الشتاء هو الفصل الذي لا يحسن فيه إلا الجدُّ، ولا يمكن فيه إلا الجدّ"5، ويتناول في سخرية مرة "لغو المترفين" في الصيف، ويقابل هذا اللغو بجدٍّ آخر في الشتاء يرتبط برؤياه الاجتماعية: "جدٌّ خصبٌ حقًّا، جَدٌّ نافعٌ حقًّا، جدٌّ نعيش منه، ونلهو به" ولا يجني منه أصحابه إلا حياة كلها خشونه وشظف وحرمان، هو جدُّ هؤلاء الفلاحين الذين يعملون في الأرض، لا يحفلون بالبرد ولا يحفل بهم البرد، وفي الشتاء جدٌّ آخر، جَدٌّ يمزِّقُ القلوب، ويعذِّبُ النفوس، ويبعث اللوعة والأسى في أفئدة الذين يعرفون الرحمة واللين، ويذكرون حين يلهون أن في الأرض ليالي خير منها ظلمة القبور في الشتاء, هذا الجو المظلم القاتم المرهق المحرق الذي يصوره أجمل تصوير وأبلغه, تلك الأغنية المشهور؛ أغنية الإحسان التي ما استطعت أن أستقبل الشتاء منذ عرفها دون أن أسمعها مرة ومرة:
"هذا الشتاء يقبل، ومعه حاشتيه الحزينة، إن الأشقياء ليألمون كثيرًا في الشتاء، إن من الحق علينا أن نحميهم من هذا الشقاء، إن البرد الشديد في دورهم المقفرة! "6.