وشخصية طه حسين في يومياته، كشخصية "جيد"؛ شخصية متمردة بأوسع معاني هذه الكلمة وأدقها، متمردة على العرف الأدبي وعلى القوانين التقليدية، وعلى النظام الاجتماعي, وعلى النظام السياسي"1 كما تَبَيَّنَ من دراسة مضمون مقاله فيما تَقَدَّمَ، فشخصيته متمردة على كل شيء "حتى على نفسها في أكثر الأحيان" وفي "كل إنسان حر، أو مؤمن بحريته، حظ من التمرُّدِ على هذا النظام أو ذاك، من نظم الحياة الاجتماعية. ولكنه يصانع ويداجي ويحتال ليلائم بين شخصيته وبين البيئة الاجتماعية التي يعش فيها"2. والناس قد عرفوا ذلك وأقروه وتواضعوا عليه، كما يذهب إلى ذلك طه حسين, ولكنه ينفرد في مواجهة هذا الاصطلاح العرفي بالملائمة بين بين تمرُّدِه الداخلي وسيرته الخارجية إن صحَّ هذا التعبير، يرى الرأي فيعلنه مهما تكن نتيجة ذلك، ويشتهي الشيء فيسعى إليه ويحققه مهما تكن نتيجة ذلك، ويحسُّ هذا الحس أو ذاك، ويشعر هذا الشعور أو ذاك، ويجد القدرة على تصوير حسه وشعوره فلا يتردد في تصوير حسه وشعوره، يقسو في هذا كله على الناس، ويقسو في هذا كله على نفسه، ولا يقبل "في هذه القسوة هوادة ولا موادعة"3.
ومن أجل هذا قوبلت آراؤه التجديدية في الشعر الجاهلي وحديث الأربعاء وغيرها بالإنكار الشديد، وعابه التقليديون بالحق والباطل ولعلهم "عابوه بالباطل أكثر مما عابوه بالحق"4، كما تعرَّض "جيد" لمثل ذلك5، ويذكر طه حسين عن موقفه بإزاء هذا لإنكار6: "ولقد نشأنا نحاول الكتابة فقال الناس فينا ما نكره, وعابونا بكل ما يمكن أن يُعَابَ به الكاتب في أدبه وخلقه ونفسه, فلم يزدنا ذلك إلّا إقدامًا على العمل وجدًّا في التعلُّم والانتفاع بهجاء الهاجين وثناء المثنين, لم يبطرنا ثناء قط ولم يحزنَّا هجاء قط، وأعترف بل أشهد الله أني كنت أشد إقبالًا على الهجاء منِّي على الثناء"7.
ذلك أن تمرده صريح صادق، وأن هذا التمرد الصريح الصادق هو الذي يميزه من غيره من الأدباء والكُتَّاب والمفكرين بصفة عامة، ومن كُتَّاب "اليوميات" بصفة خاصة؛ ذلك أنها تصوِّر نشأته ناقدًا لتأثره وتأثيره, مسجلًا لما يأتيه من خارج ولما يصدر عنه، مبينًا ما في هذا وذاك من خير أو شَرٍّ8. محاولًا إصلاح ما يراه شرًّا, والاستزادة مما يراه خيرًا, محاسبًا نفسه حسابًا شديدًا على ما أخذ