وغنيٌّ عن البيان أن لطه حسين أسلوبًا بيانيًّا مميزًا وفريدًا في الصحافة المصرية الحديثة، والمجال هنا لا يتسع لتحليل عناصر هذا الأسلوب وتحديده وتقييمه، فقد سبق أن حاولنا شيئًا من ذلك بالقدر اللازم لدراسة فنِّ المقال الصحفي في أدبه، على أن هذا الأسلوب في فنِّ اليوميات خاصة، جاء ثمرةً للتطور في مقاله من الذاتية إلى الموضوعية، وذلك أمرٌ طبيعيٌّ؛ لأن المقال الصحفي فن حضريّ خالص، يأتي متأخرًا في الحضارة، بعكس الشعر, فإنه أول الفنون الأدبية ظهورًا في العالم1، وذلك أمر طبيعي بالقياس إلى طه حسين نفسه كذلك، فقد بدأ في التعبير الأدبي بقول الشعر، وكان هذا الشعر أوَّل ما نُشِرَ في الصحف2، وهي -كما يبين بدايةً ذاتيةً نتيجة الاتجاه الأدبي المبكر، وفي ذلك ما يفسِّرُ نزوعه إلى النثر الفني في محاولاته الأولى، واتِّسام هذه المحاولات بالطابع الذاتي الذي يتَّخِذُ من موضوع المقال نقطة قفز إلى التعبير الذاتي, كما نجد في مقالي "الذوق والجمهور"3 و"الحب"4, وغيرهما من المقالات الأولى.
ذلك أن المقالات الأولى في بيئة التكوين جاءت تعبيرًا عن إحساسه بالحياة وتجربته الناشئة فيها، وهي في هذا تقابل نزوعه المبكِّر إلى الشعر الغنائي؛ "لأن كليهما -المقال الأدبي والشعر الغنائي- يغوص بالقارئ إلى أعمق أعماق نفس الكاتب أو الشاعر، ويتغلغل في ثنايا روحه حتى يعثر على ضميره المكنون. فكل الفرق بين المقالة والقصيدة الغنائية هو فرقٌ في درجة الحرارة، تعلو وتتناغم فتكونُ قصيدةً, أو تهبط وتتناثر فتكون مقالة أدبية"5.
وعلى ذلك فإن الكثير من قصائده الشعرية، يمكن مقابلتها بصور مقالية في بيئة التكوين، تعلو وتتناغم فتكون قصيدة:
"يا شفى الله من الفسـ ... ـق نفوس العاشقين
أنا المعذال في العشـ ... ـق إذا شاءوا فداء