إنما العشق رسول الفسـ ... ـق يدعو الجاهلين
سيقولون بذيء ... ليس في الحق بذاء"1
وتهبط وتتناثر فتكون مقالة أدبية:
"لا أخفي على الناس أن في طبيعتنا شغفًا بالجمال, وميلًا إلى الحسن، لكن إذا غلت نفوسنا في هذا الميل وذلك الشغف، لم يكن غلوُّها إلّا مرضًا يجب أن نداويه ونطب له. والحق أقول أنَّا قد بلغنا من الغلوِّ في ذلك مبلغًا لا يسعنا الصبر عليه, فقد أصبح حب الجمال سبيلًا إلى الغيّ، وداعية إلى الفسوق"! 2.
ومن ذلك يبين الاستشعار المبكِّر بالذات عند طه حسين، بحيث يصبح الخيط جدَّ رفيع بين قصيدته الغنائية ومقالته الذاتية، على النحو الذي يبين من تمثُّلِهِ للمقالة الرومانسية عند المنفلوطي في المرحلة الأولى من التكوين، كما يبين من مقالة بعنوان "من أيهم أنا"3, وغيرها من المقالات التي تشف عن الغنائية الفردية التي وسمت كُتَّاب مصر في مطلع هذا القرن وفي مقدمتهم المنفلوطي4, كنتيجة لاصطدامه بسلطان المجتمع.
على أن هذا الاتجاه الذاتي في مقال طه حسين ما يلبث أن تعمقه الثقافة الغربية، وتمثِّلُ الاتجاهات الجديدة، فيتنوع بتنوع تجاربه، ويتسم بطابع شخصيته المتفردة بين الكُتَّاب، كما سيبين عند دراسة المقال الاعترافي، حيث يقترب مقال طه حسين من فنِّ "مونتاني" الذي يُعَدُّ تعبيرًا صادقًا عن فن المقال الأوروبي. معمِّقًا هذا الاتجاه الذاتي في الحديث عن نفسه، وعن ذكريات صباه وشبابه، وعن الأحداث الطريفة المعجبة التي مَرَّ بها في طور الرجولة والاكتهال. وكان طه حسين شأنه في ذلك شأن "مونتاني" لا يتورَّع عن كشف عيوبه للناس.