الفصل السادس: فن اليوميات الصحفية في أدب طه حسين

مدخل

...

الفصل السادس: فن اليوميات الصحفية في أدب طه حسين

يقترب فنّ "اليوميات الصحفية" من روح فنّ "العمود الصحفي" من حيث التعبير الشخصي الذي يَنِمُّ عن تفكير صاحبه، وروح المذهب الذي يعتنقه، ونظرته إلى الحياة، سواء كانت روحه ساخرة أو متواضعة أو مغرورة أو متبكرة. وقد تتناول اليوميات نقدًا سياسيًّا أو جتماعيًّا، والكاتب هنا يعبِّرُ عن وجهة نظره هو لا وجهة نظر الصحيفة.

ويذهب بعض علماء الصحافة1 إلى أن المحرِّرَ الصحفيَّ ينبغي عليه أن يترك آراءه الخاصة عند باب غرفة التحرير، غير أن هذا الرأي لا يمكن أن ينطبق على كاتب اليوميات بصفة خاصة، ذلك لأن "اليوميات" أشبه بالمقال الأدبي من حيث العناية باختيار الألفاظ والاحتفاظ بطلاوة الأسلوب، بل لعلها أقرب إلى مقالات الاعترافات بصفة خاصة، فهي تقدِّمُ صورًا نابضة بالحياة زاخرة بالمعاني. وهي تتطلَّب سيطرة تامَّة على اللغة والتعبير بالأسلوب السهل الممتع، ولا شكَّ أن طواعية اللغة لا تتيسر إلّا للعارفين بها, والقادرين عليها, على النحو الذي يبين في مقال طه حسين، فكرًا وتسجيلًا، عرضًا وأداء، موقفًا وتعبيرًا، فإن اليوميات الصحفية يمكن أن تتلخَّص بأنها تتناول الفكرة والأداء، في وصل جماهير الناس بالحضارة ومعطيات العصر: آرائه وأفكاره وأدواته وآلاته وتشوقه وتطلعاته، عن طريق تطويع اللغة من جهة, والاستفادة من خصائصها التعبيرية والاشتقاقية وروحها الغني وأصالتها، فلم تعد "اليوميات" رسالة للخاصَّة بحكم التطور الاجتماعي والنزعات الحرة، ولم تعد أدبًا اعتزاليًّا في برج عاجي، ولكنها أضحت كلامًا يوجَّه إلى جماهير الناس في الجريدة اليومية, والمجلة الأسبوعية أو الشهرية، ولذلك تتسم باليسر والتبسط في الأسلوب وغياب الزخارف.

وتأسيسًا على هذا الفهم، فإن هذا الفصل يحاول التعرُّف على فنٍّ مقالي جديد في صحافة طه حسين، هو "فن اليوميات الصحفية", ولذلك نبدأ بالتعرُّف على مقاله في بيئة التكوين بين الذاتية والموضوعية, ثم فن المقال الاعترافي، ونتحدَّث عن خصائص اليوميات في مقاله بعد ذلك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015