الميول والنزعات من حولنا. ونجد العناء كلَّ العناء في التماس ما نلتمس لأنفسنا من طريق التفكير والتعبير"1.
فالتوسُّل بالشكل "الأبيجرامي" في العمود الصحفي -عند طه حسين- ليس غاية في ذاته، ولكنه توسُّلٌ وظيفي في مقاومة السلطان والاحتلال و"النظام الاقتصادي البغيض الذي شقيت به الأجيال"2 المصرية، والتي قسَّمَت "الشعب إلى الأغنياء المترفين الذين ينفقون بغير حساب فيما لا يغني عنهم ولا عن غيرهم شيئًا, والفقراء المعدَمِين الذين يشقون بغير حساب؛ لأنهم لا يجدون ما يقيم الأود أو يرضي حاجة الإنسان الذي يستطيع أن يكون إنسانًا"3. وعلى ذلك فإن النقد اللاذع والهجاء والسخرية في هذا العمود الصحفي أدوات وظيفية لترشيد الحياة المصرية4، وإلى هذه الوظيفية الهادفة يشير مقال بعنوان: "وصول"5:
"لم يكن شيئًا ثم ارتقى حتى أصبح شيئًا مذكورًا, وقد سلك في تصعيده من الحضيض إلى القمَّة طريقًا وَعِرَةً ملتوية، يغمرها ضوء الشمس المشرقة المحرقة أحيانًا، وتنظر إليها الشمس من وراء نقاب من السحاب أحيانًا أخرى، ويحجبها ظلام قاتم فاحم في كثير من أجزائها. فلما ارتقى إلى القمة واطمأنَّ إلى مكانه منها، نسي ماضيه كلَّه، وأعرض عن المستقبل كلِّه، وعاش ليومه الذي هو فيه. نسي الماضي فلم يتعظ، وأعرض عن المستقبل فلم يتحفظ، ومضى مع هواه طاغيًا باغيًا، حتى أخاف الناس من نفسه، وأخاف نفسه من الحب لقوم يبغضهم أشد البغض، وإذا الناس من حوله مضطرون إلى أن يظهروا له حبًّا ملهكًا, ويضمروا له بغضًا مهلكًا، وإذا الأسباب بينه وبين الناس ترث، حتى أن أيسر الأمر لينتهي بها إلى الانقطاع.
"قال الطالب الفتى لأستاذه الشيخ: لقد سمعت منك ولكني لم أفهم عنك، وإنك لتحدثني بالألغاز منذ حين، فماذا تعني؟ وإلام تريد! ".
"قال الأستاذ الشيخ لتلميذه الفتى: إن حبَّ الاستطلاع إن نفعَ في بعض الوقت فقد يَضُرُّ في بعضه الآخر, وما عليك أن تفهم شيئًا وتغيب عنك أشياء! إنما هي مرايا تنصب للناس، فلينظر فيها من يشاء وليعرض عنها من يشاء, وربما كان الإعراض عنها خيرًا من النظر فيها، فقد ينظر فيها من