يحب الاستطلاع مثلك فيسوءه ما يرى؛ لأنه يرى نفسه"1.
فهذا الفن المقالي الجديد في صحافتنا العربية، إذن، مظهر من مظاهر الحياة الواقعة في مصر وما ألَمَّ بها من خطوبٍ يقتضيها "الاتصال بالسلطان والاشتراك في الحياة العامة"2، كما أنه مظهر من مظاهر الاتصال الوثيق بين فنون القول وحياة الشعب الذي أصبح في عصرنا "كل شيء، فعني به الأدباء والكُتَّابُ، ولم يحتج إلى أدبٍ شعبيٍّ خاصٍّ"3. وهو لذلك "ينطق بلسانه ويصوِّرُ آلامه وآماله"4, ولم يعد الكاتب في برج عاجيٍّ يعتزل الشعب، وإنما يصبح سيفًا في يده يسلِّطُه على رقاب الخارجين عليه.
قال الطالب الفتى لأستاذه الشيخ: وثب فلان أمس من أقصى اليمين إلى أقصى الشمال.
قال الأستاذ الشيخ لتلميذه الفتى: يئس من رضا الحكام فابتغى رضا الشعب.
قال الطالب الفتى لأستاذه الشيخ: ألم يكن لا معنى لليأس مع الحياة, ولا معنى للحياة مع اليأس!
قال الأستاذ الشيخ لتلميذه الفتى: فإن مدت له أسباب الحياة, ودعاه الأمل إلى يمين، فوثبة أخرى ترده من رضا الحكام إلى ما يريد, ما دام الإنسان قادرًا على أن يذهب ويجيء, فلا جناح عليه في أن يذهب ويجيء.
قال الطالب الفتى لأستاذه الشيخ: والمبدأ؟
قال الأستاذ الشيخ لتلميذه الفتى: المبدأ وسيلة لا غاية"5!
على أن هذا الفن الجديد في مقال طه حسين، يمتاز كذلك بطواعية اللغة العربية لا في المفردات فحسب، وإنما في التراكيب وصوَر الأداء جميعًا.
ذلك أن التوسُّل بشكل "الأبيجراما"، لا ينقل هذا الشكل الشعري نقلًا، وإنما يتمثَّلُ خصائصه في استحداث فن مقالي نثري جديد يختلف أداء ومضمونًا، كما يمتاز يوظيفيته الهادفة، ومن حيث الشكل فقد عَرِفْنَا المقالة منذ أواخر القرن الماضي، وعرفنا أنواعها المختلفة, وفنونها المتباينة, ومحاولاتها الناجحة لتصوير ما نحتاج إلى أن يصوَّر لنا من ضروب الحياة التي نحياها،