أنفسنا في كثير من آداب القدماء والمحدثين مهما تكن اللغات والعصور والظروف والبيئات التي تنشأ فيها هذه الآداب"1.
ومن ذلك يبين أن الناحية الفنية في العمود الصحفي ناحية تطبيقية، وليست جماليةً تُقْصَدُ لذاتها بحالٍ من الأحوال، ذلك أن العمود الصحفي قد نشأ عند طه حسين -كما تَقَدَّمَ- ليواجه الضغوط التي تعرَّضت لها الصحافة المصرية نتيجةً لظروفها السياسية والداخلية، التي اضطرت الكُتَّابَ إلى العدول عن الصراحة إلى فنونٍ من التعريض والتلميح2، يتوسَّلُ بها في أداء وظائف المقال الصحفي الذي لم يَعُدْ قادرًا على النفاذ بها من سلطان الرقيب.
ذلك أن العمود الصحفي عند طه حسين، إنما نشأ ليصوِّرَ نوعًا من أنواع حياة مجتمعه"3، وهو لذلك لا يتجه إلى الطوائف المثقفة وحدها، ولكنه يرتبط بسيادة الشعب المصري وحقَّه في أن يأخذ أفراده على اختلافهم بما يُتَاحُ لهم من حَظِّ المعرفة والثقافة4. وهو لذلك يصوِّرُ حقائق الحياة الواقعية، ويوجهها إلى ما ينبغي أن تتجه إليه, "ويبصِّرَ الناس بما يضرهم ليجتنبوه, وبما ينقصهم ليسعوا إليه"5. وبذلك يتخذ هذا الفن المقالي مكانه من أدب طه حسين في تحقيق الثورة العقلية التي تسبق ثورة السياسة، ودفع الناس إليها6.
وعلى ذلك فإن التوسُّلَ بالرمز كضرورة صحفية في العمود الصحفيّ إنما يداور السلطان ويحتاط من شره, ويستخفي بكثير من آراء الكاتب في التلميح والإشارة واصطناع المجاز7، ليؤدي الوظائف الصحفية الهادفة في مقاومة "النظام الملكي المستأثر بالأمر من دون الشعب8، والساسة المحترفين كذلك، ومقاومة تعقيد آخر "كان يؤثر في حياتنا العقلية حتى أثناء مقاومتنا له تأثيرًا بعيد المدى, وهو تقعيد الاحتلال الأجنبي الذي كان يتغلغل في أعماق حياتنا المادية والسياسية, ويتدخَّلُ في كثير من مواقفنا, ويؤثر بذلك في مصالح الأفراد والجماعات, ويحالف النظام الملكي حينًا فيثقل علينا الهول، ويخالفه حينًا آخر فيأخذنا الشرُّ من جميع أقطارنا, ونضطر إلى كثير من المصانعة والموادعة، ونلاين حينًا ونخاشن حينًا آخر, ويشقى بتفرُّقِ الأهواء واختلاف