والإرشاد والتقويم والإقناع، ولنقل الإيمان بأفكار الكاتب، وهذا الإيمان لا يمكن أن ينتقل بمجرد حرارة العاطفة، ولكنه يؤثر ويدوم إذا ما تعلق بحرارة الفكر1.

ومن أجل ذلك وجدنا طه حسين يتوسَّلُ بفنٍّ من فنون النقد اللاذع والهجاء المرِّ الذي يُشَبِّهُهُ "بالسهام التي لا تنزع عن القوس إلّا أصمت وأردت من تصيب"2. ولكن هذا النقد اللاذع لا يقصد لذاته كما تذهب إلى ذلك "الأبيجراما", ولكنه نقد وظيفي يوجَّه إلى "ألوان من الحياة لا إلى أفراد بأعينهم من الناس"3, فقد انقضى عصر الهجاء منذ زمن طويل4, ولكنه يرتبط بالواقع المصري الذي يشتق منه صور المقال ويشارك المصريين في هذا الواقع، ويأخذ بحظه مما في حياتهم "مما يُرْضِي وما يُسْخِطُ"5.

وفي ضوء هذه الرؤية الوظيفية، فإن النقد اللاذع في عمود طه حسين ليس فيه أية مسحة من التسامح مع النماذج الركيكة؛ لأن هذا النقد يُرْجِعُ الفعل الإنساني إلى العقل، وعندما ترتكب هذه النماذج حماقة أو ظلمًا, بل جريمة, فذلك لأنها تفكر تفكيرًا خاطئًا على نحو ما يذهب إليه فولتير6. ولذلك يذهب النقد اللاذع في العمود الصحفي عند طه حسين إلى إشعار نماذجه بالنقص في التفكير عن طريق السخرية والمسخ, حتى تُصْلِحَ من نفسها, وتُقَوِّمَ اعوجاجها من نفسها، وهي سخرية تقوم على الإرادة والعقل، ولذلك فإننا حين نحاول تحليل هذه السخرية الوظيفية الهادفة في عمود طه حسين نلاحظ أنها ذات طابع رياضي صارم، متفقًا في ذلك مع فولتير, فهي تنحصر بصفة خاصة في عمليتين:

أولًا: إرجاع المجهول إلى المعلوم.

ثانيًا: البرهنة بطريقة التفنيد.

ومن "جنة الشوك"، نجد هذا المقال بعنوان "فيض"7، تتمثَّل فيه الخصائص الوظيفية العقلية في سخرية طه حسين.

"قال الطالب الفتى لأستاذه الشيخ: فَسِّرْ لي قول القائل: فاض الإناء".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015