غلب الهجاء على هذا الفن، ولا سيما عند الإسكندريين وشعراء روما, وإن لم يخلص من الغزل والمدح. فلما كان العصر الحديث لم يعد الشعراء الأوربيون يطلقون هذا الاسم على الشعر القصير الذي يُقْصَدُ به إلى النقد والهجاء1.
ذلك هو الأصل الأوربي القديم في مقال طه حسين، أما الأصل العربي القديم، فلم يكد يعرفه الأدب الجاهلي، أو نحن لا نعرف من الأدب الجاهلي ما يمكِّنُنَا من أن نقطع بأن الشعراء الجاهليين قد حاولوه أو قصدوا إليه2. ولم يعرفه الأدب الإسلامي "وقد يُرْوَى شيء منه بين الفرزدق وعبد الله بن الزبير مثلًا"3، وأكبر الظن أن الشعراء الإسلاميين لم يعرفوه؛ لأنهم لم يرثوه عن الفحول الجاهليين، ولأنهم لم يشهدوا حياة متحضرة مترفة كالتي عرفها شعراء الإسكندرية وشعراء روما، وإنما عرفوا حياة قد اتصلت بالحضارة, ولكنها لم تبرأ من البداوة، وقد حفظت تراثًا قديمًا ضخمًا, ومَذْهَبًا في الشعر في أناة ومهل لا تمتاز بالقصر ولا بالاختصار4. فلما كان العصر الثاني من عصور الحضارة الإسلامية أزهر في العراق هذا الأدب العباسي الجديد، وظهر هذا الفن في الأدب العربي قويًّا خصبًا مختلفًا ألوانه في البصرة والكوفة وبغداد5. ولكن حياته لم تطل، وإنما اقتضت ظروف السياسة والأدب أن يعدل الشعراء والفحول عنه عدولًا يوشك أن يكون تامًّا, وأن يستخفي به بعض الشعراء وبعض الكتاب، بل بعض الذين لا تعرف لهم سابقة في الشعر ولا في النثر6.
ثم كانت عصور الضعف الأدبي، فذهب هذا الفن من فنون القول فيما ذهب، واستوقفت في عصرنا الحديث حياة تقليدية عُنِيَ فيها أدباؤنا بعمود الشعر، ولم يخالفوا عن سنة الفحول من الجاهليين والإسلاميين والمحدثين، فلم يحفلوا بهذا الفن الذي لم يزدهر في تاريخ الشعر العربي إلّا وقتًا قصيرًا. فقُلِّدَ الشعراء الأوربيون في هذا الفن كما قُلِّدُوا في غيره من الفنون، ثم ابتكروا فيه كما ابتكروا في غيره من الفنون، حتى أغنوا آدابهم منه بألوان رائعة. ولكن النهضة الشعرية التي دُفِعَ الأوربيون إليها منذ آواخر القرن الثامن عشر صرفتهم عنه إلى مذاهب أخر من الشعر صرفًا يكاد يكون تامًّا7.
ومن ذلك يبين أن العمود الرمزي في مقاله طه حسين يقوم على هذه