ولا نعرف الألفاظ الفارغة التي تنتظر المعاني لتلبسها, وإنما نعرف الألفاظ والمعاني ممتزجة متحدة لا تستطيع أن تنفصل ولا أن تفترق، وما نعلم أننا نستطيع أن نتبادل المعاني مجردة دون ما يدل عليها من لفظ أو صورة أو رمز, وما نعلم أننا نستطيع أن نتبادل الألفاظ الجوف التي لا تدل على شيء، فليس ذلك من شأن العقلاء, وإنما هو شأن قد يعرض للمحمومين والمجانين"1.

وإذن، فتحرير المقال الصحفي عند طه حسين لا يفصل بين صورته ومادته ويعتبرهما شيئًا واحدًا، ويضيف إليهما عنصرًا ثالثًا "إن صحَّ أن يستعمل العدد في مثل هذا الموضع.. وهذا العنصر يلزمهما لزومًا لا فكاك منه, وهو عنصر الجمال، فالناس يتحدثون بالألفاظ التي تدل على المعاني، وهم يتبادلون ما يدور في رءوسهم من الخواطر, ويحققون بهذه الألفاظ ذوات المعاني ما يحتاجون إليه من الأغراض والآداب"2. إن الجمال في العمود الصحفي -عند طه حسين- إذن، ليس عنصرًا إضافيًّا ولا لصيقًا بالمادة وصورتها وأدائها، ولكنه جزء من ذلك كله، يتخلل العرض والتصوير والأداء، كما يبين من الابتكار والإبداع والكشف والنفاذ إلى الحقيقة أو الواقع، هذا إلى غير ذلك من العناصر الكثيرة التي تؤلِّفُ الجمال في العمود الصحفي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015