تنشر في صحيفة سيارة ليقرأها الناس جميعًا, فينتفع بقراءتها من ينتفع, ويتفكَّه بقراءتها من يتفكَّه، ولم يكن بُدٌّ لكاتبتها من أن يتجنَّب التعمق في البحث, والإلحاح في التحقيق العلمي، إذ كانت الصحف السيارة لا تصلح لمثل هذا"1, وهو في ذلك يشير إلى مقتضيات العمود الصحفي، رغم اتجاهه نحو التخصص، ذلك أن كاتب العمود يعبِّرُ "عَمَّا يشعر به" دون أن يحاول إعادة تحرير مقاله بأسلوب أدبي أو أسلوب عميق, أو لا يخطئ أبدًا، وهو كثيرًا ما يعترف بضعفه. ومنهجه في التحرير ينحصر في المزج بين الخفيف والقليل، والمضمون الجلد، وقليل من السخرية"2.
ولعل في هذه الرؤيا تفسيرًا لما يذهب إليه طه حسين من أنه لم يكتب فصلًا من هذه الفصول إلا وهو يعلم أنه "شديد النقص، محتاج إلى استئناف العناية به والنظر فيه"3, يقول: "وأنا أقدِّرُ أنه سيتاح لي من الوقت وفراغ البال ما يُمَكِّنُنِي من استئناف تلك العناية وهذا النظر, حتى إذا فرغت منه ونشرته في "السياسة" أو "الجهاد" عرضت لغيره في مثل هذه الحال العقلية التي عرضت له فيها, معتزمًا أن استأنف العناية به والنظر فيه، مستحييًا أن أقدَّمه إلى الناس على ما فيه من نقص وحاجة إلى الإصلاح. والأيام تمضي والظروف تتعاقب مختلفة متباينة أشدَّ الاختلاف وأعظم التباين, ولكنَّها متفقة في شيء واحد, هو أنها كانت تحول دائمًا بيني وبين ما كنت أريد من تجديد العناية واستئناف النظر"4.
ومن ذلك يبين مكان مقالات "حديث الأربعاء" من الرؤيا المقالية، ذلك أن المقال ليس بحثًا علميًّا أو فصلًا من فصول كتاب أدبي أو علمي, ولا قصة ولا محاضرة منظَّمة، ولا درامية مرتبة منطقيًا، وإنما المقال فكرة يتلقفها الكاتب من البيئة المحيطة به، ويتأثَّر بها5, وفي هذا الجوِّ الوجداني يُعَبِّرُ الكاتب عن هذه الفكرة بطريقةٍِ ما، حظها من النظام قليل، وحاجتها إلى الترتيب والتمحيص والتدقيق أقل، ذلك أن المقال لا يقصد إلى التعبير بالمنطق الشكلي الجامد، وإنما بالمنطق النفسي الإنساني6. فالمقال حديث يوشك أن يكون عاديًّا، يعرض الكاتب على قرائه فكرة أو اتجاهًا، كما يعرض لموضوع من الموضوعات التي يتحدَّث فيها مع بعض الجلساء7. وهو ما يشير إليه طه حسين في العمود المتخصص، حيث لا يفرغ لمقالاته