"كما يفرغ المؤلف للكتاب"1، وهو الذي لم يعن "بهذه الفصول كما يعنى الباحث المحقق ببحث علمي وأدبي قَيِّمٍٍ"2، ويذهب إلى أن هذه المقالات "ناقصة شديدة الحاجة إلى الإصلاح"3 قد نَشَرَتْهَا "صحيفة سيارة، فأصبحت حقًّا لكم, فأنا أردُّ إليكم هذا الحق, ولست أسألك إلّا شيئًا واحدًا: وهو ألّا تنظروا إليها نظركم إلى كِتَابٍ في الأدب العربي قد فرغ له صاحبه, وعني بتحقيقه وتمحيصه"4، وهي مع ذلك مقالات على أفضل نحوٍ تصل إليه في "العمود المتخصص" الذي يُنْشَر في صحيفة سيارة.
وعلى ذلك، فإن العمود المتخصص عند طه حسين، يمتاز بالرؤيا المقالية الواضحة لهذا الفنِّ عندما يتخصص كاتبه في موضوع من الموضوعات, ويوليه قدرًا من الدراسة والتفكير5، فهو يدرك أنه يكتب للكثرة القارئة من جمهور صحيفته، وهو لذلك يوجِّهُ مقالاته إليهم, ولا يكتبها "للعلماء ولا للمؤرخين: لأني لم أرد بها إلى العلم, ولم أقصد بها إلى التاريخ"6. وإنما هي صور عرضت له أثناء الاتصال الصحفي بالجماهير فأثبتها مسرعًا، ثم لم ير "بنشرها بأسًا, ولعله رأى في نشرها شيئًا من الخير، فهي تَرُدُّ على الناس أطرافًا من الأدب القديم قد أغفلت منهم وامتنعت عليهم، فليس يقرؤها منهم إلّا أولئك الذين أتيحت لهم ثقافة واسعة عميقة في الأدب العربي القديم"7.
وهو لذلك يتوسّل بالعمود المتخصص في تصوير أشكال تحريرية جديدة تلائم "حياتهم التي يحيونها، وعواطفهم التي تثور في قلوبهم، وخواطرهم التي تضطرب في عقولهم"8، فليس في مقال طه حسين -إذن- تكلُّف ولا تصنُّع "ولا محاولة للإجادة، ولا اجتناب للتقصير, وإنما هو صورة يسيرة طبيعية صادقة لبعض ما يجد من الشعور حين يقرأ هذه الكتب"9. ولكنه يقوم على أسلوب في "التبسيط والشرح والتفسير واستنباط العبرة والوصول بها إلى قلوب الناس"10 وعقولهم، على النحو المتقدم.
ولذلك وجدناه يتوسَّل في العمود المتخصص بأسلوب الحوار السقراطي