أما "حديث الأربعاء" فقد قرأ الناس فصوله في "السياسة" و"الجهاد", فقد كانت في "الأصل طائفة من مقالات في الصحف ضُمَّ بعضها إلى بعض.. ولأني كنت أكتبها للناس في يوم الأربعاء - لذلك سُمِّيَت بحديث الأربعاء.. كما يفعل الآن أحمد بهاء الدين في الأهرام حين ينشر أسبوعيًّا مقالًا موعده يوم الأحد ويسميه "حديث الأحد".
ومن ذلك يبين محور التأثير والتأثُّر في مقال طه حسين، وهو المحور الذي يقوم -كما تَقَدَّمَ- على الأصالة والتجديد، فليست علاقة طه حسين بالثقافة الفرنسية علاقة التابع بالمتبوع، كما يخطئ منازلوه, بلا علاقة المهتدي بنماذج فنية أو فكرية يطبعها بطابعه، ويضفي عليها صبغته القومية. وهذه هي "الأصالة الحق، فليست الأصالة هي اقتصار المرء على حدود إمكانياته، وليست هي إباء التجاوب مع العالم الخارجي، لكي يبقى المرء كما هو دون تغيُّرٍ أو تحرير. ولكن الأصالة الحق هي القدرة على الإفادة من مظانّ الإفادة الخارجة عن نطاق الذات"1.
وعلى ذلك تتحدد علاقة طه حسين بجلاء ذهنه بالفكر الفرنسي ومناهجه، وبالأخذ المفيد من الآراء والدعوات، وليس هناك تقليد في "حديث الأربعاء" إذن، لمقالات "سانت بيق" النقدية التي نشرها تحت عنوان "أحاديث الاثنين" في "المجلة الدستورية" Constution el1 من 1851 إلى 1862، ثم "أحاديث الاثنين الجديدة" التي نشرها بانتظام في مجلة "العريف Moniteur, ومجلة "العالمين "Reue de deur Mondes" وفي مجلة باريس2، ذلك أن طه حسين وسانت بيق، قد ذهب كلاهما إلى عنوان ثابت لمقالات ثقافية تتناول موضوعات مختلفة زمانيًّا ومكانيًّا، ولذلك يذهب طه حسين إلى أن العمود المتخصص في "حديث الأربعاء" مقالات وفصول متفرقة لا تؤلف" سفرًا ولا كتابًا كما أتصور السفر والكتاب. فأنا لم أتصور فصوله جملة, ولم أرسم لها خطة معينة, ولا برنامجًا واضحًا قبل أن أبدأ في كتابتها، وإنما هي مباحث متفرقة كتبت في ظروف مختلفة, وأيام متقاربة حينًا ومتباعدة حينًا آخر، فلست تجد فيها هذه الفكرة القوية الواضحة المتحدة التي يصدر عنها المؤلفون حين يؤلفون كتبهم وأسفارهم"3.
ومن ذلك يبين أن فصول "حديث الأربعاء" جاءت استجابة آنية لظروف كتابتها وتحريرها، على النحو المتَقَدِّمِ، وهي -كما يقول- "فصول كانت