والتي ذهبت إلى إبراز هذا العنوان في شكل جديد ثابت هو: "طه حسين يكتب" من بعيد1.
ولعل شكلًا من أشكال العمود المتخصِّصِ لم يشع مثلما شاع "حديث الأربعاء" الذي احتلَّ مكانة الباب الثابت في صحيفتي "السياسة" و"الجهاد" في العشرينيات والثلاثينيات، وجمع من مقالاته ثلاثة أجزاء، تحدَّثْنَا عن مضمونها الثقافي في التغيير والتدعيم عند الحديث عن "المقال في الاتجاه الثقافي".
على أننا هنا يجدر أن نشير إلى "مذكرات السكرتير"2, "وما تثيره من خطأ وقع فيه البعض حول "حديث الأربعاء" خاصة، والمنهج المقالي عند طه حسين، عامة. ذلك أن هؤلاء يذهبون إلى أن طه حسين قام بالتأريخ للإسلام تأثرًا بالمستشرقين الأجانب، وتأسيسًا على ملاحات شكلية في العلاقة بين "على هامش السيرة" و"على هامش الكتب القديمة" للكاتب الفرنسي جيل لوميتر، وهي أمور أشار إليها إبَّان معركة الشعر الجاهلي -عبد المتعال الصعيدي في الأربعاء"، وقد سبق أن ذهبنا إلى أن طه حسين قد تأثَّر بمناهج المستشرقين، وليس بآرائهم، فهذا كتاب "على هامش السيرة" يصدره بقوله: "ما قصدت إلا إحياء الأدب القديم, وإحياء ذكر العرب والأولين، بعد أن قرأت السيرة فامتلأت بها نفسي, وفاض بها قلبي, وانطلق بها لساني، وقد تعرَّفْنَا على مكان هذا الكتاب من منهج التدعيم للقيم الروحية الإيجابية في المجتمع المصري، وهو لا يعدل بكتب السيرة "كتبًا أخرى مهما تكن"، ويذكر عن هذا الكتاب قوله:
"ويوم أن فرغت من الجزء الأول قلت للبعض، وفي وجود فريد"3، إنني أخذت عنوان "على هامش السيرة" من عنوان لكاتبٍ فرنسيٍّ هو "جيل لوميتر" الذي عاش تقريبًا ما بين 1853-1914، وكتابه الذي أخذت عنواني منه هو "على هامش الكتب القديمة", وفيه كان "جيل لوميتر" يقلد أسلوب الكتب الأجنبية القديمة مثل الإلياذة والأوديسا, ثم يعلِّقُ عليها بعد التقليد، ولعل مصدر تأثري هو في العنوان, ثم في أنني كتبت أشياء ليست هي السيرة في صميمها, ولكن تُعْتَبَرُ على هامشها، وقد قلت هذا أكثر من مرة.. جيل لوميتر يقلد الكتب الأجنبية القديمة، وأما كتبي فهي على هامش السيرة النبوية"4.